اهتمّ المسلمون من الصدر الأول بالبحث عن وجه إعجاز القرآن، وكان الرأي السائد بينهم في إعجازه هو كونه في الطبقة العليا من الفصاحة، والدرجة القُصْوى من البلاغة، مع ماله من النَّظم الفريد، والأسلوب البديع. وهذه الأُمور الأربعة أضْفَتْ على القرآن وصف الإعجاز حتى صار معجزة القرون والأعصار.
نعم نَجَم في القرن الثالث مذهب اشتهر بمذهب الصَّرْفة، وإليه ذهب جماعة من المتكلمين، وهو يقوم على أساس أنّ العرب لم يقدروا على الإتيان بمثل القرآن، لا لإعجازه بحدّ ذاته، وأنّ القرآن بلغ في فرط الفصاحة والبلاغة، وروعة النظم وبداعة الأُسلوب شأواً لا تبلغه الطاقة البشرية، بل لأجل أنّه سبحانه صرَفَ بُلَغَاء العرب وفصحاءَهم عن المعارضة بطريق من الطُرق الآتي ذكرها.
وقد حُكي هذا المذهب عن أبي إسحاق النَّظام، وهو أقدم من نسب إليه هذا القول. وتبعه أبو إسحاق النصيبي، وعبّاد بن سليمان الصَّيمري، وهشام بن عمرو الفوطي، وغيرهم.
[1] التاء في الصرفة، تاء المصدرية الّتي تلحق كثيراً من المصادر مثل: الرحمة، والرأفة، وغيرهما.
نام کتاب : الإلهيات على هدى الكتاب والسُّنة والعقل نویسنده : مكي العاملي، محمد جلد : 3 صفحه : 337