وقد غلب استعمال الوحي في هذا القسم، فكلما أُطلق الوحي وجُرِّد عن القرينة يراد منه ما يُلقى إلى الأنبياء من قِبَل الله تعالى.
الأمر الثالث ـ حقيقة الوحي في النُبوّة
إنّ الإدراكات العادية الّتي يحصّلها الإنسان عن طريق الحسّ أو عن طريق التفكر والإستدلال، هي نتاج أدوات المعرفة الحسيّة والعقلية، فإدراك المبصرات والمسموعات وغيرها، رَهْنُ إعمال الحواس. كما أنّ الوقوف على الأُصول الفلسفية والعلمية، نتاج إعمال الفكر والعقل، فإنّ قولنا: «كلُّ ممكن، فهو زوج تركيبي له ماهية ووجود»، أو: «إنّ كلَّ معلول يحتاج إلى علة»، لم نقف عليه إلاّ بالرياضات الفكرية، وهكذا الحال في القوانين العلمية.
كما أنّ هناك إدراكات تنبع من صميم الذات ويطلق عليها الوجدانيات، أو الفطريات. كإدراك حسن الأشياء وقبحها، وإدراك الإنسان جوعه وعطشه، فإنّ الجميع من ومضات الفطرة والغريزة، ونظير ذلك ما يبدعه الذوق من الفنون والآداب والرسوم والأعمال اليدويَّة الظريفة، فإنّها كلّها من وحي الذوق والغريزة إذا وقعت في إطار التربية والتوجيه.
وبالجملة، فإنّ كلَّ ما يدركه الإنسان; نتاجُ أدوات المعرفة بأشكالها المختلفة، حسيّة كانت أو عقلية أو وُجدانية.
وأمّا الوحي الّذي يختص به الأنبياء، فإنّه إدراك خاص متميز عن سائر الإدراكات، فإنّه ليس نتاج الحسّ ولا العقل ولا الغريزة، وإنّما هو شعور خاص، لا نعرف حقيقته، يوجده الله سبحانه في الأنبياء. وهو شعور يغاير الشعور الفكري المشترك بين أفراد الإنسان عامة، لا يغلط معه النبي في إدراكه، ولا يشتبه، ولا يختلجه شك ولا يعترضه ريب في أنّ الّذي يوحي إليه هو الله