ومنه : (وما أرسلناك إلاّ رحمّة للعالمينّ)[٢٥] أي : نعمة ، ويقال للقرآن رحمة وللغيث
رحمة ، أي : نعمة ، وقد يتسمّى بالرحيم غيره تعالى ولا يتسمّى بالرحمن سواه ، لأن
الرحمن هو الذي يقدر على كشف الضر والبلوى ، ويقال لرقيق القلب من الخلق : رحيم ،
لكثرة وجود الرحمة منه بسبب الرقة ، وأقلها الدعاء للمرحوم والتوجع له ، وليست في
حقّه تعالى كذلك ، بل معناها إيجاد النعمة للمرحوم وكشف البلوى عنه ، فالحدّ
الشامل أن تقول : هي التخلص من أقسام الآفات ، وإيصال الخيرات إلى أرباب الحاجات [٢٦].
وفي كتاب الرسالة الواضحة [٢٧] : أنّ الرحمن الرحيم من أبنية المبالغة
، إلاّ أنّ فعلان أبلغ من فعيل ، ثم هذه المبالغة قد توجد تارة باعتبار الكمّية ،
واُخرى باعتبار الكيفية :
فعلى الأول قيل : يا رحمن الدنيا ـ
لأنّه يعمّ المؤمن والكافر ـ ورحيم الآخرة لأنه يخص الرحمة بالمؤمنين ، لقوله
تعالى : (وكان بالمؤمنين رحيماً)[٢٨].
وعلى الثاني قيل : يا رحمن الدنيا
والآخرة ورحيم الدنيا ، لأنّ النعم الاُخروية كلّها جسام ، وأمّا النعم الدنيوية
فجليلة وحقيرة.
وعن الصادق عليهالسلام : الرحمن اسم خاصّ بصفة عامة ، والرحيم
اسم عامّ بصفة خاصة [٢٩].
وعن أبي عبيدة [٣٠] : الرحمن ذو الرحمة ، والرحيم الراحم ،
وكرر لضرب
[٣٠] أبو عبيدة
معمّر بن المثنى البصري النحوي اللغوي ، أول من صنّف غريب الحديث ، وكان أبو نؤاس
الشاعر يتعلّم منه ويصفه ويذمّ الأصمعي ، له عدّة مصنفات ، منها : مجاز القرآن
الكريم وغريب القرآن ومعاني القرآن ، مات سنة ( ٢٠٩ ه ) وقيل غير ذلك.