فلما أصبحت ابتدأت في
تأليف هذا الكتاب ممتثلا لأمر وليّ الله و حجته مستعينا بالله و متوكلا عليه و
مستغفرا من التقصير وَ ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ
إِلَيْهِ أُنِيبُ
أما بعد فإن الله تبارك
و تعالى يقول في محكم كتابه وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي
جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً الآية[2] فبدأ عز و جل
بالخليفة قبل الخليقة فدل ذلك على أن الحكمة في الخليفة أبلغ من الحكمة في الخليقة
فلذلك ابتدأ به لأنه سبحانه حكيم و الحكيم من يبدأ بالأهم دون الأعم و ذلك تصديق
و لو خلق الله عز و جل
الخليقة خلوا من الخليفة لكان قد عرضهم للتلف و لم يردع السفيه عن سفهه بالنوع
الذي توجب حكمته من إقامة الحدود و تقويم المفسد و اللحظة الواحدة لا تسوغ الحكمة
ضرب صفح عنها[3] إن الحكمة
تعمّ كما أن الطاعة تعمّ و من زعم أن الدنيا تخلو ساعة من إمام لزمه أن يصحِّح
مذهب البراهمة في إبطالهم الرسالة و لو لا أن القرآن نزل بأن محمدا ص خاتم
الأنبياء لوجب كون رسول في كل وقت فلما صح ذلك ارتفع معنى كون الرسول بعده و بقيت
الصورة المستدعية للخليفة في العقل و ذلك أن الله تقدس ذكره لا يدعو إلى سبب إلا
بعد أن يصور في العقول حقائقه و إذا لم يصور ذلك لم تتسق الدعوة و لم تثبت الحجة و
ذلك أن الأشياء تألف أشكالها و تنبو عن أضدادها فلو كان في العقل إنكار الرسل لما
بعث الله عز و جل نبيا قط.
مثال ذلك الطبيب يعالج
المريض بما يوافق طباعه و لو عالجه بدواء يخالف طباعه أدى ذلك إلى تلفه فثبت أن
الله أحكم الحاكمين لا يدعو إلى سبب إلا و له في
[1]. العنوان هنا و ما يأتي في المقدّمة منا
أضفناها تسهيلا للباحثين.