فقالت : خدم النعمان وعبيده وجواريه
أجرِهم على عوائدهم.
فقال لها : اذكري حاجتك لنفسك خاصة.
فقالت له : يد الأمير بالعطية أطلق من
لساني بالمسألة.
فأعطاها وأجزل ، فقالت له : شكرتك يد
افتقرت بعد غنى ، ولا ملكتك يداستغنت بعد فقر ، ولا جعل الله لك إلى لئيم حاجة ، وأصاب
الله بمعروفك مواضعه ، ولا أخذ الله من كريم نعمة إلا وجعلك السبب في ردّها إليه.
فقال : اكتبوها في ديوان الحكمة.
فقالت : اكتبوها في ديوان الحكمة ، فإني
رأيت قطع الأواخر يمنع شكر الأوائل.
وقال الصادق عليهالسلام : « ما توسل أحد اليّ بوسيلة ، أحب
إليّ من إذكاري بنعمة سلفت مني إليه أعيدها إليه ».
ولقد صدق عليهالسلام
، فإن من أحسن خصال المعروف تربيته بإعادة الإفضال به ، وأعلم بأن أهل الفضل
والشرف والرئاسة ، يرون أن معروفهم ديناً عليهم ، تتقاضاهم أبداً نفوسهم الشريفة
الزكية بإعادته. وأهل الرذالة والنذالة والخساسة ، يرون معروفهم ديناً لهم ، تتقاضاهم
نفوسهم الخبيثة بإعادته. وذاك أن أفعال الناس على قدر جواهرهم ، ولقد أحسن مولانا
أمير المؤمنين عليهالسلام
في قوله :
إذا شئت تعلم خير الفتى
أدر لحظ طرفك في منظره
فإن لم يبن لك في ذا وذا
فلا تطلبن سوى محضره
بيان الرجال بأفواهها
بها يعرف النذل من خيره
[١] التارات : جمع تارة وهي المرة ( الصحاح ـ تير ـ ٢ : ٦٠٣).