ثم جمع علي رضي الله عنه الناس فخطبهم
خطبةً بليغة وقال : أيها الناس! إني قد ناشدت هؤلاء القوم كيما يرجعوا ويرتدعوا ،
فلم يفعلوا ولم يستجيبوا ، وقد بعثوا إلي أن أبرز إلى الطعان وأثبت للجلاد ، وقد
كنت وما أهدد بالحروب ولا أدعى إليها ، وقد انصف القارة من راماها ، ولعمري لئن
أبرقوا وأرعدوا فقد عرفوني ورأوني ، ألا وان الموت لا يفوته المقيم ولا يعجزه
الهارب ، ومن لم يمت يقتل ، وإن أفضل الموت القتل ، والذي نفس علي بيده لألف ضربةٍ
بالسيف أهون علي من موتةٍ على الفراش.
ثم رفع يده إلى السماء وهو يقول : اللهم
ان طلحة بن عبيد الله أعطاني صفقةً بيمينه طائعاً ، ثم نكث بيعته ، اللهم فعاجله
ولا تميّطه.
اللهم إن الزبير بن العوام قطع قرابتي ،
ونكث عهدي ، وظاهر عدوي ونصب الحرب لي وهو يعلم أنه ظالم ، فاكفينيه كيف شئت وإنى
شئت.
« رجوع الزبير ، ومقتله »
وخرج علي رضي الله عنه ، فوقف بين
الصفين ، عليه قميص ورداء ، وعلى رأسه عمامة سوداء ، وهو يومئذٍ على بغلة رسول
الله (ص) الشهباء التي يقال لها « دُلـدُل » ثم نادى بأعلى صوته : أين الزبير بن
العوام ، فليخرج إلي! فقال الناس : يا أمير المؤمنين ، أتخرج إلى الزبير وأنت حاسر!
وهو مدجج في الحديد؟! فقال علي رضي الله عنه : ليس علي منه بأس ، فأمسكوا.
ثم نادى الثانية : أين الزبير بن العوام؟
فليخرج إلي.
فخرج إليه الزبير ، ونظرت عائشة فقالت :
واثكل أسماء! فقيل لها يا أم المؤمنين! ليس على الزبير بأس ، فإن علياً بلا سلاح.
ودنا الزبير من علي حتى واقفه ، فقال له
علي رضي الله عنه : يا أبا عبد الله ما حملَكَ على ما صنعت؟