( ومن الآيات ) قوله سبحانه وما كنا معذبين حتى
نبعث رسولا ، فان فيها دلالة
على نفي العقوبة قبل بعث الرسل الذي هو كناية عن بيان التكليف ( وأورد ) عليه بان
ظاهر الآية الشريفة انما هو الاخبار بعدم وقوع التعذيب على الأمم السابقة فيما مضى
الا بعد بعث الرسل واتمام الحجة ، فيختص بالعذاب الدنيوي الواقع في الأمم السابقة
، فلا تدل على نفي العقوبة على ارتكاب مشكوك الحرمة ( وفيه ) انه مبنى على جعل
المضي في وما كنا معذبين بلحاظ حال الخطاب وهو خلاف ظاهر الآية ( بداهة ) ظهورها
في كونه بلحاظ زمان البعث واتمام الحجة لا بلحاظ زمان الحال والخطاب كما كان
الاستقبال في بعث الرسول أيضا بلحاظ العذاب المنفي لا بلحاظ زمان الخطاب ، ( ومثله
) لا يختص بالعذاب الدنيوي ( بل الظاهر منها ) هو كونها بصدد اظهار العدل ببيان
انه سبحانه لم يكن من شأنه عز وجل ان يعذب قوما الا بعد البيان واتمام الحجة نظير
قوله وما كنا ظالمين ( ومن الواضح ) عدم اختصاص ذلك بقوم دون قوم ولا بعذاب دون
عذاب ( كوضوح ) ملازمة ذلك لكون المنفي فيها هو الاستحقاق والمعرضية للعذاب الفعلي
، لا الفعلية المحضة مع ثبوت الاستحقاق ( لعدم ) مناسبة ذلك مع البيان المزبور (
لان ) مع الاستحقاق وان كان من شأنه سبحانه العفو رأفة ورحمة على العباد ، الا انه
كان من شأنه العذاب أيضا ، ومثله ينافي ظهورها في أنه ليس من شأنه ذلك ( وعليه )
تكون للآية المباركة دلالة على مطلوب القائل بالبرائة لظهور المنطوق فيها في كون
المنفي قبل البعث الذي هو عبارة عن اتمام الحجة ، هو أصل الاستحقاق والمعرضية
للعذاب الفعلي ، لا انه مجرد الفعلية المحضة كي ( يحتاج ) في اثبات المدعى إلى
دعوى الاجماع وعدم الفصل في خصوص المقام أعني الشبهات بين نفى الفعلية ونفي
الاستحقاق ( أو دعوى ) كفاية عدم الفعلية أيضا للقائل بالبرائة من جهة اعتراف
الخصم بالملازمة بين الفعلية والاستحقاق بمقتضى ما دل على الوقوع في الهلكة في
الشبهات ، والتزامه بعدم المقتضى للاستحقاق على تقدير عدم الفعلية ( مع ما في
الدعوى ) الأخيرة من لزوم كون الاستدلال بالآية جد لا محضا والزاما للخصم بما
التزم به من الملازمة بين الفعلية والاستحقاق