عِبَادَ اللهِ، أُوصِيكُمْ بِالرَّفْضِ لِهذِهِ الدُّنْيَا التَّارِكَةِ لَكُمْ وَإِنْ لَمْ تُحِبُّوا تَرْكَهَا، وَالْمُبْلِيَةِ لاَِجْسَامِكُمْ (أجسادكم) وَإِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ تَجْدِيدَهَا، فَإِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهَا كَسَفْر سَلَكُوا سَبِيلا فَكَأَنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوهُ، وَأَمُّوا عَلَماً فَكَأَنَّهُمْ قَدْ بَلَغُوهُ. وَكَمْ عَسَى الُْمجْرِي إِلَى الْغَايَةِ أَنْ يَجْرِيَ إِلَيْهَا حَتَّى يَبْلُغَهَا! وَ مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَقَاءُ مَنْ لَهُ يَوْمٌ لاَ يَعْدُوهُ، وَ طَالِبٌ حَثِيثٌ مِنَ الْمَوْتِ يَحْدُوهُ وَ مُزْعِجٌ فِي الدُّنْيَا حَتَّى يُفَارِقَهَا رَغْماً!
فَلاَ تَنَافَسُوا فِي عِزِّ الدُّنْيَا وَفَخْرِهَا، وَلاَ تَعْجَبُوا بِزِينَتِهَا وَنَعِيمِهَا، وَلاَ تَجْزَعُوا مِنْ ضَرَّائِهَا وَبُؤْسِهَا، فَإِنَّ عِزَّهَا وَفَخْرَهَا إِلَى انْقِطَاع، وَإِنَّ زِينَتَهَا وَنَعِيمَهَا إِلَى زَوَال، وَضَرَّاءَهَا وَبُؤْسَهَا إِلَى نَفَاد (نِفاذِ)، وَكُلُّ مُدَّة فِيهَا إِلَى انْتِهَاء، وَكُلُّ حَىٍّ فِيهَا إِلَى فَنَاء. أَوَ لَيْسَ لَكُمْ فِي آثَارِ الاَْوَّلِينَ مُزْدَجَرٌ، وَفِي آبَائِكُمُ الْمَاضِينَ تَبْصِرَةٌ وَمُعْتَبَرٌ. إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ! أَوَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْمَاضِينَ مِنْكُمْ لاَ يَرْجَعُونَ، وَإِلَى الْخَلَفِ الْبَاقِينَ لاَ يَبْقَوْنَ! أَوَ لَسْتُمْ تَرَوْنَ أَهْلَ الدُّنْيَا يُصْبِحُونَ وَيُمْسُونَ عَلَى أَحْوَال شَتَّى: فَمَيِّتٌ يُبْكَى. وَآخَرُ يُعَزَّى، وَصَرِيعٌ مُبْتَلىً، وَعائِدٌ يَعُودُ، وَآخَرُ بِنَفْسِهِ يَجُودُ، وَطَالِبٌ لِلدُّنْيَا وَالْمَوْتُ يَطْلُبُهُ، وَغَافِلٌ وَلَيْسَ بِمَغْفُول عَنْهُ; وَعَلَى أَثَرِ الْمَاضِي (الماضين) مَا يَمْضِي الْبَاقِي! أَلاَ فَاذْكُرُ واهَاذِمَ الَّذَّاتِ، وَمُنَغِّصَ الشَّهَوَاتِ، وَقَاطِعَ الاُْمْنِيَاتِ، عِنْدَ الْمُسَاوَرَةِ (المشاورة) لِلاَْعْمَالِ الْقَبِيحَةِ; وَاسْتَعِينُوا اللهَ عَلَى أَدَاءِ وَاجِبِ حَقِّهِ، وَمَالاَ يُحْصَى مِنْ أَعْدَادِ نِعَمِهِ وَإِحْسَانِهِ.