وَقَدَّرَ الاَْرْزَاقَ فَكَثَّرَهَا وَقَلَّلَهَا. وَقَسَّمَهَا عَلَى الضِّيقِ وَالسَّعَةِ فَعَدَلَ فِيهَا لِيَبْتَلِيَ مَنْ أَرَادَ بِمَيْسُورِهَا وَمَعْسُورِهَا، وَلِيَخْتَبِرَ بِذلِكَ الشُّكْرَ وَالصَّبْرَ مِنْ غَنِيِّهَا وَفَقِيرِهَا. ثُمَّ قَرَنَ بِسَعَتِهَا عَقَابِيلَ فَاقَتِهَا، وَبِسَلاَمَتِهَا طَوَارِقَ آفَاتِهَا، وَبِفُرَجِ أَفْرَاحِهَا غُصَصَ أَتْرَاحِهَا (أبزاحها) وَخَلَقَ الاْجَالَ فَأَطَالَهَا وَقَصَّرَهَا، وَقَدَّمَهَا وَأَخَّرَهَا، وَوَصَلَ بِالْمَوْتِ أَسْبَابَهَا، وَجَعَلَهُ خَالِجاً لاَِشْطَانِهَا، وَقَاطِعاً لِمَرَائِرِ أَقْرَانِهَا.
عَالِمُ السِّرِّ مِنْ ضَمَائِرِ الْمُضْمِرِينَ، وَنَجْوَى الْمُتَخَافِتِينَ، وَخَوَاطِرِ رَجْمِ الظُّنُونِ، وَعُقَدِ عَزِيمَاتِ الْيَقِينِ، وَمَسَارِقِ إِيمَاضِ الْجُفُونِ وَمَا ضَمِنَتْهُ أَكْنَانُ الْقُلُوبِ وَغَيَابَاتُ (بابات) الْغُيُوبِ، وَمَا أَصْغَتْ لاِسْتِرَاقِهِ مَصَائِخُ الاَْسْمَاعِ، وَ مَصَائِفُ الذَّرِّ، وَ مَشَاتِي الْهَوَامِّ، وَ رَجْعِ الْحَنِينِ مِنَ الْمُولَهَاتِ، وَهَمْسِ الاَْقْدَامِ. وَمُنْفَسَحِ الَّثمَرَةِ مِنْ وَلاَئِجِ غُلُفِ الاَْكْمَامِ، وَمُنْقَمَعِ الْوُحُوشِ مِنْ غِيرَانِ الْجِبَالِ وَأَوْدِيَتِهَا، وَمُخْتَبَإِ الْبَعُوضِ بَيْنَ سُوقِ الاَْشْجَارِ وَأَلْحِيَتِهَا، وَمَغْرِزِ الاَْوْرَاقِ مِنَ الاَْفْنَانِ، وَمَحَطِّ الاَْمْشَاجِ مِنْ مَسَارِبِ (مشارب) الاَْصْلاَبِ. وَنَاشِئَةِ الْغُيُومِ وَمُتَلاَحِمِهَا، وَدُرُورِ قَطْرِ السَّحَابِ فِي مُتَرَاكِمِهَا، وَمَا تَسْفِي الاَْعَاصِيرُ بِذُيُولِهَا، وَتَعْفُو الاَْمْطَارُ بِسُيُولِهَا، وَعَوْمِ (غموم) بَنَاتِ الاَْرْضِ فِي كُثْبَانِ الرِّمَالِ، وَمُسْتَقَرِّ ذَوَاتِ الاَْجْنِحَةِ بِذُرَا شَنَاخِيبِ الْجِبَالِ، وَتَغْرِيدِ ذَوَاتِ الْمَنْطِقِ (النّطق) فِي دَيَاجِيرِ الاَْوْكَارِ، وَمَا أَوْعَبَتْهُ (اوعته ـ اودعته) الاَْصْدَافُ، وَحَضَنَتْ عَلَيْهِ أَمْوَاجُ الْبِحَارِ، وَمَا غَشِيَتْهُ سُدْفَةُ لَيْل، أَوْ ذَرَّ عَلَيْهِ شَارِقُ نَهَار، وَمَا اعْتَقَبَتْ (احتقبت) عَلَيْهِ أَطْبَاقُ الدَّيَاجِيرِ، وَسُبُحَاتُ النُّورِ; وَأَثَرِكُلِّ خَطْوَةِ، وَحِسِّ كُلِّ حَرَكَة، وَرَجْعِ كُلِّ كَلِمَة وَتَحْرِيكِ كُلِّ شَفَة وَمُسْتَقَرِّ كُلِّ نَسَمَة وَمِثْقالِ كُلِّ ذَرَّة، وَهَمَاهِمِ كُلِّ نَفْس هَامَّة، وَمَا عَلَيْهَا مِنْ ثَمَرِ شَجَرَة، أَوْ سَاقِطِ وَرَقَة، أَوْ قَرَارَةِ نُطْفَة، أَوْ نُقَاعَةِ دَم وَمُضْغَة، أَوْ نَاشِئَةِ خَلْق وَسُلاَلَة; لَمْ تَلْحَقْهُ فِي ذلِكَ كُلْفَةٌ. وَلاَ اعْتَرَضَتْهُ فِي حِفْظِ مَا ابْتَدَعَ مِنْ خَلْقِهِ عَارِضَةٌ، وَلاَ اعْتَوَرَتْهُ فِي تَنْفِيذِ الاُْمُورِ وَتَدَابِيرِ الَْمخْلُوقِينِ مَلاَلَةٌ وَلاَ فَتْرَةٌ، بَلْ نَفَذَهُمْ عِلْمُهُ، وَأَحْصَاهُمْ عَدَدُهُ، وَوَسِعَهُمْ عَدْلُهُ، وَ غَمَرَهُمْ