(فالتجمت) عُرَى أَشْرَاجِهَا، وَفَتَقَ بَعْدَ الاِرْتِتَاقِ صَوَامِتَ أَبْوَابِهَا، وَأَقَامَ رَصَداً مِنَ الشُّهُبِ الثَّوَاقِبِ عَلَى نِقَابِهَا، وَأَمْسَكَهَا مِنْ أَنْ تَمُورَ فِي خَرْقِ الْهَوَاءِ بِأَيْدِهِ (بائدة ـ رائدة)، وَأَمَرَهَا أَنْ تَقِفَ مُسْتَسْلِمَةً لاَِمْرِهِ. وَجَعَلَ شَمْسَهَا آيَةً مُبْصِرَةً لِنَهَارِهَا، وَقَمَرَهَا آيَةً مَمْحُوَّةً مِنْ لَيْلِهَا، وَأَجْرَاهُمَا فِي مَنَاقِلِ مَجْرَاهُمَا، وَقَدَّرَ سَيْرَهُمَا (مسيرهما) فِي مَدَارِجِ دَرَجِهِمَا، لُِيمَيِّزَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِهِمَا، وَلِيُعْلَمَ عَدَدُ السِّنِينَ وَالْحِسَابُ[ 1 ] بِمَقَادِيرِهِمَا، ثُمَّ عَلَّقَ فِي جَوِّهَا فَلَكَهَا، وَنَاطَ بِهَا زِينَتَهَا، مِنْ خَفِيَّاتِ دَرَارِيِّهَا وَمَصَابِيحِ كَوَاكِبِهَا، وَرَمى مُسْتَرِقِي السَّمْعِ بِثَوَاقِبِ شُهُبِهَا، وَأَجْرَاهَا عَلَى أَذْلاَلِ تَسْخِيرِهَا مِنْ ثَبَاتِ ثَابِتِهَا، وَمَسِيرِ سَائِرِهَا، وَهُبُوطِهَا وَصُعُودِهَا (معودها)، وَنُحُوسِهَا وَسُعُودِهَا.
ثُمَّ خَلَقَ سُبْحانَهُ لإِسْكَانِ سَموَاتِهِ، وَعِمَارَةِ الصَّفِيحِ الاَْعْلَى مِنْ مَلَكُوتِهِ، خَلْقاً بَدِيعاً مِنْ مَلاَئِكَتِهِ، وَمَلاََ بِهِمْ فُرُوجَ فِجَاجِهَا، وَحَشَا بِهِمْ فُتُوقَ أَجْوَائِهَا (أجوابها)، وَبَيْنَ فَجَوَاتِ تِلْكَ الْفُرُوجِ زَجَلُ الْمُسَبِّحِينَ مِنْهُمْ فِي حَظَائِرِ الْقُدْسِ، وَسُتُرَاتِ الْحُجُبِ، وَسُرَادِقَاتِ الَْمجْدِ. وَوَرَاءَ ذلِكَ الرَّجِيج (الزّجيج) الَّذِي تَسْتَكُّ مِنْهُ الاَْسْمَاعُ سُبُحَاتُ نُور تَرْدَعُ الاَْبْصَارَ عَنْ بُلُوغِهَا، فَتَقِفُ خَاسِئَةً عَلَى حُدُودِهَا. وَأَنْشَأَهُمْ عَلَى صُوَر مُخْتَلِفَات، وَأَقْدَار مُتَفَاوِتَات (مؤتلفات)، «أُولِي أَجْنِحَة» تُسَبِّحُ جَلاَلَ عِزَّتِهِ، لاَ يَنْتَحِلُونَ مَا ظَهَرَ فِي الْخَلْقِ مِنْ صُنْعِهِ، وَلاَ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَخْلُقُونَ شَيْئاً مَعَهُ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ. (بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ. لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ).[ 2 ] جَعَلَهُمُ اللهُ فِيَما هُنَالِكَ أَهْلَ الاَْمَانَةِ عَلَى وَحْيِهِ، وَحَمَّلَهُمْ إِلَى الْمُرْسَلِينَ وَدَائِعَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَعَصَمَهُمْ مِنْ رَيْبِ الشُّبُهَاتِ، فَمَا مِنْهُمْ زَائِغٌ عَنْ سَبِيلِ مَرْضَاتِهِ. وَأَمَدَّهُمْ بِفَوائِدِ الْمَعُونَةِ، وَأَشْعَرَ قُلُوبَهُمْ تَوَاضُعَ إِخْبَاتِ السَّكِينَةِ، وَفَتَحَ لَهُمْ أَبْوَاباً ذُلُلا إِلَى تَمَاجِيدِهِ، وَنَصَبَ لَهُمْ مَنَاراً وَاضِحَةً عَلَى أَعْلاَمِ تَوْحِيدِهِ. لَمْ تُثْقِلْهُمْ مُوصِرَاتُ الاْثَامِ، وَلَمْ تَرْتَحِلْهُمْ (تحلّهم) عُقَبُ اللَّيَالِي وَالاَْيَّامِ، وَلَمْ تَرْمِ الشُّكُوكُ بِنَوَازِعِهَا (نوازغها) عَزِيمَةَ إِيمَانِهِمْ، وَلَمْ تَعْتَرِكِ