اسْتَحْفَظَكُمْ (أحفظكم) مِنْ كِتَابِهِ، وَاسْتَوْدَعَكُمْ مِنْ حُقُوقِهِ، فَإِنَّ اللهَ سُبْحانَهُ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً، وَلَمْ يَتْرُكْكُمْ سُدًى، وَلَمْ يَدَعْكُمْ فِي جَهَالَة وَلاَعَمًى، قَدْ سَمَّى آثَارَكُمْ، وَ عَلِمَ أَعْمَالَكُمْ، وَكَتَبَ آجَالَكُمْ. وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمُ (الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء)، وَعَمَّرَ فِيكُمْ نَبِيَّهُ أَزْمَاناً، حَتَّى أَكْمَلَ لَهُ وَلَكُمْ فِيَما أَنْزَلَ مِنْ كِتَابِهِ ـ دِينَهُ الَّذِي رَضِيَ لِنَفْسِهِ; وَأَنْهَى إِلَيْكُمْ عَلى لِسَانِهِ ـ مَحَابَّهُ مِنَ الاَْعْمَالِ وَمَكَارِهَهُ، وَنَوَاهِيَهُ وَأَوَامِرَهُ، وَأَلْقَى إِلَيْكُمُ الْمَعْذِرَةَ، وَاتَّخَذَ عَلَيْكُمُ الْحُجَّةَ، وَقَدَّمَ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ، وَأَنْذَرَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَاب شَدِيد. فَاسْتَدْرِكُوا بَقِيَّةَ أَيَّامِكُمْ، وَ اصْبِرُوا لَهَا أَنْفُسَكُمْ، فَإِنَّهَا قَلِيلٌ فِي كَثيرِ الاَْيَّامِ الَّتِي تَكُونُ مِنْكُمْ فِيهَا الْغَفْلَةُ، وَالتَّشَاغُلُ عَنِ الْمَوْعِظَةِ; وَلاَ تُرَخِّصُوا لاَِنْفُسِكُمْ، فَتَذْهَبَ بِكُمُ الرُّخَصُ مَذَاهِبَ الْظَّلَمَةِ، وَلاَ تُدَاهِنُوا فَيَهْجُمَ بِكُمُ الاِْدْهَانُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ.
عِبَادَ اللهِ، إِنَّ أَنْصَحَ النَّاسِ لِنَفْسِهِ أَطْوَعُهُمْ لِرَبِّهِ; وَإِنَّ أَغَشَّهُمْ لِنَفْسِهِ أَعْصَاهُمْ لِرَبِّهِ; وَالْمَغْبُونُ مَنْ غَبَنَ نَفْسَهُ، وَالْمَغْبُوطُ مَنْ سَلِمَ لَهُ دِينُهُ، «وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ»، وَالشَّقِيُّ مَنِ انْخَدَعَ لِهَوَاهُ وَغُرُورِهِ. وَاعْلَمُوا أَنَّ «يَسِيرَ الرِّيَاءِ شِرْكٌ» وَمُجَالَسَةَ أَهْلِ الْهَوَى مَنْسَاةٌ لِلاِْيمَانِ، وَمَحْضَرَةٌ لِلشَّيْطَانِ. جَانِبُوا الْكَذِبَ فَإِنَّهُ مُجَانِبٌ لِلإِيمَانِ الصَّادِقُ عَلَى شَفَا مَنْجَاة وَكَرَامَة، وَالْكَاذِبُ عَلَى شَرَفِ مَهْوَاة وَ مَهَانَة. وَلاَ تَحَاسَدُوا، فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الاِْيمانَ «كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ»، «وَلاَ تَبَاغَضُوا فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ»; وَاعْلَمُوا أَنَّ الاَْمَلَ يُسْهِي الْعَقْلَ، وَيُنْسِي الذِّكْرَ. فَأَكْذَبُوا الاَْمَلَ فَإِنَّهُ غُرُورٌ، وَصَاحِبُهُ مَغْرُورٌ.