مِيعَادِهِ، وَالْحَذَرِ مِنْ هَوْلِ مَعَادِهِ.
و منها : جَعَلَ لَكُمْ أَسْمَاعاً لِتَعِيَ مَا عَنَاهَا، وَأَبْصَاراً لِتَجْلُوَ عَنْ عَشَاهَا، وَأَشْلاَءً جَامِعَةً لاَِعْضَائِهَا، مُلاَئِمَةً لاَِحْنَائِهَا، فِي تَرْكِيبِ صُوَرِهَا، وَمُدَدِ عُمُرِهَا، بِأَبْدَان قَائِمَة بِأَرْفَاقِهَا، وَقُلُوب رَائِدَة (بائدة) لاَِرْزَاقِهَا، فِي مُجَلِّلاَتِ نِعَمِهِ، وَمُوجِبَاتِ مِنَنِهِ، وَحَوَاجِزِ (جوائز) عَافِيَتِهِ. وَقَدَّرَلَكُم أَعْمَاراً سَتَرَهَا عَنْكُمْ، وَخَلَّفَ لَكُمْ عِبَراً مِنْ آثَارِ الْمَاضِينَ قَبْلَكُمْ، مِنْ مُسْتَمْتَعِ خَلاَقِهمْ، وَمُسْتَفْسَحِ خَنَاقِهِمْ. أَرْهَقَتْهُمُ الْمَنَايَادُونَ الاْمَالِ، وَشَذَّبِهمْ عَنْهَا تَخَرُّمُ الاْجَالِ لَمْ يَمْهَدُوا فِي سَلاَمَةِ الاَْبْدَانِ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا فِي أُنُفِ الاَْوَانِ. فَهَلْ يَنْتَظِرُ أَهْلُ بَضَاضَةِ الشَّبَابِ إِلاَّ حَوَانِيَ الْهَرَمِ؟ وَأَهْلُ غَضَارَةِ الصِّحَّةِ إِلاَّ نَوَازِلَ السَّقَمِ؟ وَأَهْلُ مُدَّةِ الْبَقَاءِ إِلاَّ آوِنَةَ (اوبة) الْفَنَاءِ؟ مَعَ قُرْبِ الزِّيَالِ (الزّوال)، وَأُزُوفِ الاِنْتِقَالِ، وَعَلَزِ الْقَلَقِ وَأَلَمِ الْمَضَضِ، وَغُصَصِ الْجَرَضِ وَتَلَفُّتِ الاِسْتِغَاثَةِ بِنُصْرَةِ الْحَفَدَةِ وَالاَْقْرِبَاءِ، وَالاَْعِزَّةِ وَالْقُرَنَاءِ! فَهَلْ دَفَعَتِ الاَْقَارِبُ ؟! أَوْ نَفَعَتِ النَّوَاحِبُ ؟ !
وَقَدْ غُودِرَ فِي مَحَلَّةِ الاَْمْوَاتِ رَهِيناً، وَفِي ضِيقِ الْمَضْجَعِ وَحِيداً، قَدْ هَتَكَتِ الْهَوَامُّ جِلْدَتَهُ، وَأَبْلَتِ النَّوَاهِكُ جِدَّتَهُ، وَعَفَتِ الْعَواصِفُ آثَارَهُ، وَمَحَا الْحَدَثَانِ مَعَالِمَهُ، وَصَارَتِ الاَْجْسَادُ شَحِبَةً بَعْدَ بَضَّتِهَا، وَالْعِظَامُ نَخِرَةً بَعْدَ قُوَّتِهَا، وَالاَْرْوَاحُ مُرْتَهَنَةً بِثِقَلِ أَعْبَائِهَا، مُوقِنَةً بِغَيْبِ أَنْبَائِهَا، لاَ تُسْتَزَادُ مِنْ صَالِحِ عَمَلِهَا، وَلاَ تُسْتَعْتَبُ مِنْ سَيِّىءِ زَلَلِهَا! أَوَ لَسْتُمْ أَبْنَاءَ الْقَوْمِ وَالآبَاءَ، وَإِخْوَانَهُمْ وَ الاَْقْرِبَاءَ؟ تَحْتَذُونَ أَمْثِلَتَهُمْ، وَتَرْكَبُونَ قِدَّتَهُم، وَ تَطَؤُونَ جَادَّتَهُمْ ؟ ! فَالْقُلُوبُ قَاسِيَةٌ عَنْ حَظِّهَا، لاَهِيَةٌ عَنْ رُشْدِهَا، سَالِكَةٌ فِي غَيْرِ مِضْمَارِهَا! كَأَنَّ الْمَعْنِيَّ سِوَاهَا، وَكَأَنَّ الرُّشْدَفِي إِحْرَازِ دُنْيَاهَا. وَاعْلَمُوا أَنَّ مَجَازَكُمْ عَلَى الصِّرَاطِ (السّراط) وَمَزَالِقِ دَحْضِهِ، وَأَهَاوِيلِ زَلَلِهِ، وَتَارَاتِ أَهْوَالِهِ.