(و هى الخطبة العجيبة و تسمّى «الغرّاء»)
الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي عَلاَ بِحَوْلِهِ، وَدَنَا بِطَوْلِهِ، مَانِحِ كُلِّ غَنِيمَة وَفَضْل، وَكَاشِفِ كُلِّ عَظِيمَة وَأَزْل. أَحْمَدُهُ عَلَى عَوَاطِفِ كَرَمِهِ، وَسَوَابِغِ نِعَمِهِ، وَأُؤْمِنُ بِهِ أَوَّلا بَادِياً، وَأَسْتَهْدِيهِ قَرِيْباً هَادِياً، وَأَسْتَعِينُهُ قَاهِراً قَادِراً، وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ كَافِياً نَاصِراً، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ لاِِنْفَاذِ أَمْرِهِ، وَإِنْهَاءِ عُذْرِهِ وَتَقْدِيمِ نُذُرِهِ.
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ بِتَقْوَى اللهِ الَّذِي ضَرَبَ الاَْمْثَالَ، وَوَقَّتَ لَكُمُ الاْجَالَ، وَأَلْبَسَكُمُ الرِّيَاشَ، وَأَرْفَغَ لَكُمُ الْمَعَاشَ، وَأَحَاطَ (أحاطكم) بِكُمُ الاِْحْصَاءَ، وَأَرْصَدَ لَكُمُ الْجَزَاءَ، وَآثَرَكُمْ بِالنِّعَمِ السَّوَابِغِ، وَالرِّفَدِ الرَّوَافِغِ، وَأَنْذَرَكُمْ بِالْحُجَجِ الْبَوَالِغِ، فَأَحْصَاكُمْ عَدَدَاً، وَوَظَّفَ لَكُمْ مُدَداً، فِي قَرَارِ خِبْرَة، وَدَارِ عِبْرَة، أَنْتُمْ مُخْتَبَرُونَ فِيهَا، وَمُحَاسَبُونَ عَلَيْهَا.
فَإِنَّ الدُّنْيَا رَنِقٌ مَشْرَبُهَا، رَدِغٌ مَشْرَعُهَا، يُونِقُ مَنْظَرُهَا، وَيُوبِقُ مَخْبَرُهَا. غُرُورٌ حَائِلٌ، وَضَوْءٌ آفِلٌ، وَظِلٌّ زَائِلٌ، وَسِنَادٌ مَائِلٌ، حَتَّى إِذَا أَنِسَ نَافِرُهَا، وَاطْمَأَنَّ نَاكِرُهَا، قَمَصَتْ بِأَرْجُلِهَا، وَقَنَصَتْ بِأَحْبُلِهَا (أجبلها)، وَأَقْصَدَتْ بِأَسْهُمِهَا، وَأَعْلَقَتِ الْمَرْءَ أَوْهَاقَ الْمَنِيَّةِ قَائِدَةً لَهُ إِلى ضَنْكِ الْمَضْجَعِ، وَوَحْشَةِ الْمَرْجِعِ، وَمُعَايَنَةِ الَْمحَلِّ وَثَوَابِ الْعَمَلِ. وَكَذلِكَ الْخَلَفُ بِعَقْبِ السَّلَفِ، لاَ تُقْلِعُ الْمَنِيَّةُ اخْتِرَاماً، وَلاَ يَرْعَوِي الْبَاقُونَ اجْتِرَاماً، يَحْتَذُونَ مِثَالا، وَيَمْضُونَ أَرْسَالا، إِلَى غَايَةِ الاِْنْتِهَاءِ، وَصَيُّورِ الْفَنَاءِ.