ثُمَّ أَسْكَنَ سُبْحَانَهُ آدَمَ دَاراً أَرْغَدَ فِيهَا عَيْشَهُ، وَآمَنَ فِيهَا مَحَلَّتَهُ، وَحَذَّرَهُ إبْلِيسَ وَعَدَاوَتَهُ، فَاغْتَرَّهُ عَدُوُّهُ نَفَاسَةً عَلَيْهِ بِدَارِ الْمُقَاَمِ، وَمُرَافَقَةِ الاَْبْرَارِ. فَبَاعَ الْيَقِينَ بِشَكِّهِ، وَالْعَزِيمَةَ بِوَهْنِهِ، وَاسْتَبْدَلَ بِالْجَذَلِ وَجَلا، وَبِالاِغْتِرَارِ نَدَماً. ثُمَّ بَسَطَ اللهُ سُبْحَانَهُ لَهُ فِي تَوْبَتِهِ، وَلَقَّاهُ كَلِمَةَ رَحْمَتِهِ، وَوَعَدَهُ الْمَرَدَّ إلَى جَنَّتِهِ، وَأَهْبَطَهُ إلَى دَارِ الْبَلِيَّةِ، وَتَنَاسُلِ الذُّرِّيَّةِ.
وَاصْطَفَى سُبْحَانَهُ مِنْ وَلَدِهِ أَنْبِيَاءَ أَخَذَ عَلَى الْوَحْيِ مِيثَاقَهُمْ، وَعَلَى تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ (ايمانهم)، لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِهِ عَهْدَ اللهِ إِلَيْهِمْ فَجَهِلُوا حَقَّهُ، وَاتَّخَذُوا الاَْنْدَادَ مَعَهُ، وَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ عَنْ مَعْرِفَتِه، وَاقْتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَتِهِ، فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ، وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُ، لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِىَّ نِعْمَتِهِ، وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ، وَ يُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ، وَيُرُوهُمْ آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ. مِنْ سَقْف فَوْقَهُمْ مَرْفُوع، وَمِهَاد تَحْتَهُمْ مَوْضُوع، وَمَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ، وَآجَال تُفْنِيهِمْ، وَأَوْصَاب تُهْرِمُهُمْ، وَأَحْدَاث تَتَابَعُ عَلَيْهِمْ. وَلَمْ يُخْلِ اللهُ سُبْحَانَهُ خَلْقَهُ مِنْ نَبِىٍّ مُرْسَل، أَوْ كِتَاب مُنْزَل، أُوْ حُجَّة لاَزِمَة، أَوْ مَحَجَّة قَائِمَة: رُسُلٌ لا تُقَصِّرُ بِهِمْ قِلَّةُ عَدَدِهِمْ، وَلاَ كَثْرَةُ الْمُكَذِّبِينَ لَهُمْ: مِنْ سَابِق سُمِّيَ لَهُ مَنْ بَعْدَهُ، أَوْ غَابِر عَرَّفَهُ مَنْ قَبْلَهُ: عَلَى ذلِكَ نَسَلَتِ (ذَهَبت) الْقُرُونُ، وَمَضَتِ الدُّهُورُ، وَسَلَفَتِ الاْبَاءُ، وَخَلَفَتِ الاَْبْنَاءُ.
إلَى أَنْ بَعَثَ اللهُ سُبْحَانَهُ مُحَمَّداً رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) لاِِنْجَازِ عِدَتِهِ، وَإِتْمَامِ نُبُوَّتِهِ، مَأْخُوذاً عَلَى النَّبِيِّينَ مِيثَاقُهُ، مَشْهُورَةً سِمَاتُهُ، كَرِيماً مِيلادُهُ. وَأَهْلُ الاَْرْضِ (الارضين) يَوْمَئِذ مِلَلٌ مُتَفَرِّقَةٌ، وَأَهْوَاءٌ مُنْتَشِرَةٌ، وَطَرَائِقُ (طوائف) مُتَشَتِّتَةٌ، بَيْنَ مُشَبِّه لِلّهِ بِخَلْقِهِ، أَوْ مُلْحِد فِي اسْمِهِ، أَوْ مُشِير إلَى غَيْرِهِ. فَهَدَاهُمْ بِهِ مِنَ الضَّلاَلَةِ، وَأَنْقَذَهُمْ بِمَكانِهِ مِنَ الْجَهَالَةِ. ثُمَّ اخْتَارَ سُبْحَانَهُ لُِمحَمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم)لِقَاءَهُ، وَرَضِيَ لَهُ مَا