لِقَوَائِمِ الْعَرْشِ أَكْتَافُهُمْ. نَاكِسَةٌ دُونَهُ أَبْصَارُهُمْ، مُتَلَفِّعُونَ تَحْتَهُ بِأَجْنِحَتِهِمْ، مَضْرُوبَةٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ دُونَهُمْ حُجُبُ الْعِزَّةِ، وَأَسْتَارُ الْقُدْرَةِ.
لاَ يَتَوَهَّمُونَ رَبَّهُمْ بِالتَّصْوِيرِ، وَ لاَ يُجْرُونَ عَلَيْهِ صِفَاتِ الْمَصْنُوعِينَ (المخلوقين) ، وَلاَ يَحُدُّونَهُ بِالاَْمَاكِنِ، ولاَ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِالنَّظَائِرِ.
ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَهُ مِنْ حَزْنِ الاَْرْضِ وَسَهْلِهَا، وَعَذْبِهَا وَسَبَخِهَا، تُرْبَةً سَنَّهَا (سنّاها) بِالْمَاءِ حَتَّى خَلَصَتْ، وَلاَطَهَا بِالْبَلَّةِ حَتَّى لَزَبَتْ، فَجَبَلَ مِنْهَا صُورَةً ذاتَ أَحْنَاء وَوُصُول، وَأَعْضَاء وَفُصُول، أَجْمَدَهَا حَتَّى اسْتَمْسَكَتْ، وَأَصْلَدَهَا حَتَّى صَلْصَلَتْ، لِوَقْت مَعْدُود، وَأَمَد (أجل) مَعْلُوم; ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ فَمَثُلَتْ (فتمثّلت) إنْساناً ذَا أَذْهَان يُجِيلُهَا، وَفِكَر يَتَصَرَّفُ بِهَا.
وَجَوَارِحَ يَخْتَدِمُهَا، وَأَدَوَات يُقَلِّبُهَا ، وَمَعْرِفَة يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ، وَالاَْذْوَاقِ وَالْمَشَامِّ، والاَْلْوَانِ وَالاَْجْنَاسِ ، مَعْجُوناً بِطِينَةِ الاَْلْوَانِ الُْمخْتَلِفَةِ ، وَالاَْشْبَاهِ الْمُؤْتَلِفَةِ (متّفقه)، وَالاَْضْدَادِ الْمُتَعَادِيَةِ، وَالاَْخْلاطِ الْمُتَبَايِنَةِ، مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَالْبَلَّةِ وَالْجُمُودِ. وَاسْتَأْدَى اللهُ سُبْحَانَهُ الْمَلاَئِكَةَ وَدِيعَتَهُ لَدَيْهِمْ، وَعَهْدَ وَصِيَّتِهِ إلَيْهِمْ، فِي الاِْذْعَانِ بِالسُّجُودِ لَهُ، وَالْخُنُوعِ (الخُضُوع) لِتَكْرِمَتِهِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (أُسْجُدُوا لاِدَمَ فَسَجَدُوا إلاَّ إبْلِيسَ).[ 1 ] اعْتَرَتْهُ الْحَمِيَّةُ، وَغَلَبَتْ عَلَيْهِ الشِّقْوَةُ، وَتَعَزَّزَ بِخِلْقَةِ النَّارِ، وَاسْتَوْهَنَ خَلْقَ الصَّلْصَالِ، فَأَعْطَاهُ اللهُ النَّظِرَةَ اسْتِحْقَاقاً لِلسُّخْطَةِ، وَاسْتِتَْماماً لِلْبَلِيَّةِ، وَإِنْجَازاً لِلْعِدَةِ، فَقَالَ:(إنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ، إلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) .[ 2 ]