وَكَانَ بَدْءُ أَمْرِنَا أَنَّا الْتَقَيْنَا وَالْقَوْمُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ رَبَّنَا وَاحِدٌ، وَنَبِيُّنَا وَاحِدٌ، وَدَعْوَتَنَا فِي الاِْسْلاَمِ وَاحِدَةٌ، وَلاَ نَسْتَزِيدُهُمْ فِي الاِْيمَانِ بِاللهِ وَالتَّصْدِيقِ بِرَسُولِهِ وَلاَ يَسْتَزِيدُ ونَنَا: الاَْمْرُ وَاحِدٌ إِلاَّ مَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ دَمِ عُثَْمانَ، وَنَحْنُ مِنْهُ بَرَاءٌ! فَقُلْنَا: تَعَالَوْا نُدَاوِ مَالاَ نُدْرِكُ الْيَوْمَ بِإِطْفَاءِ النَّائِرَةِ، وَتَسْكِينِ الْعَامَّةِ، حَتَّى يَشْتَدَّ الاَْمْرُ وَيَسْتَجْمِعَ، فَنَقْوَى عَلَى وَضْعِ الْحَقِّ مَوَاضِعَهُ.
فَقَالُوا: بَلْ نُدَاوِيهِ بِالْمُكَابَرَةِ! فَأَبَوْا حَتَّى جَنَحَتِ الْحَرْبُ وَرَكَدَتْ، وَوَقَدَتْ نِيرَانُهَا وَحَمِشَتْ. فَلَمَّا ضَرَّسَتْنَا وَإِيَّاهُمْ، وَوَضَعَتْ مَخَالِبَهَا فِينَا وَفِيهِمْ، أَجَابُوا عِنْدَ ذلِكَ إِلَى الَّذِي دَعَوْنَاهُمْ إِلَيْهِ، فَأَجَبْنَاهُمْ إِلَى مَا دَعَوْا، وَسَارَعْنَاهُمْ إِلَى مَا طَلَبُوا، حَتَّى اسْتَبَانَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ، وَانْقَطَعَتْ مِنْهُمُ الْمَعْذِرَةُ. فَمَنْ تَمَّ عَلَى ذلِكَ مِنْهُمْ فَهُوَ الَّذِي أَنْقَذَهُ اللهُ مِنَ الْهَلَكَةِ، وَمَنْ لَجَّ وَتَمَادَى فَهُوَ الرَّاكِسُ الَّذِي رَانَ اللهُ عَلَى قَلْبِهِ، وَصَارَتْ دَائِرَةُ السَّوْءِ عَلَى رَأْسِهِ.
إلى الأسود بن قُطْبَة صاحب جند حلوان
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْوَالِيَ إِذَا اخْتَلَفَ هَوَاهُ مَنَعَهُ ذلِكَ كَثِيراً مِنَ الْعَدْلِ، فَلْيَكُنْ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَكَ فِي الْحَقِّ سَوَاءً; فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْجَوْرِ عِوَضٌ مِنَ الْعَدْلِ، فَاجْتَنِبْ مَا تُنْكِرُ أَمْثَالَهُ، وَابْتَذِلْ نَفْسَكَ فِيَما افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكَ، رَاجِياً ثَوَابَهُ، وَمُتَخَوِّفاً عِقَابَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ بَلِيَّة لَمْ يَفْرُغْ صَاحِبُهَا فِيهَا قَطُّ سَاعَةً إِلاَّ كَانَتْ فَرْغَتُهُ عَلَيْهِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّهُ لَنْ يُغْنِيَكَ عَنِ الْحَقِّ شَيْءٌ أَبَداً.
وَمِنَ الْحَقِّ عَلَيْكَ حِفْظُ نَفْسِكَ، وَالاِْحْتِسَابُ عَلَى الرَّعِيَّةِ بِجُهْدِكَ، فَإِنَّ الَّذِي يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْ ذلِكَ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي يَصِلُ بِكَ، وَالسَّلام.