حَاضِر، فَإِنْ كُنْتَُما بَايَعْتَُمانِي طَائِعِينَ، فَارْجِعَا وَتُوبَا إِلَى اللهِ مِنْ قَرِيب; وَإِنْ كُنْتَُما بَايَعْتَُمانِي كَارِهِينِ، فَقَدْ جَعَلْتَُما لِي عَلَيْكُمَا السَّبِيلَ بِإِظْهَارِكُمَا الطَّاعَةَ، وَإِسْرَارِكُمَا الْمَعْصِيَةَ. وَلَعَمْرِي مَا كُنْتَُما بِأَحَقِّ الْمُهَاجِرِينَ بِالتَّقِيَّةِ وَالْكِتَْمانِ، وَإِنَّ دَفْعَكُمَا هذَا الاَْمْرَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَدْخُلاَ فِيهِ، كَانَ أَوْسَعَ عَلَيْكُمَا مِنْ خُرُوجِكُمَا مِنْهُ، بَعْدَ إِقْرَارِكُمَا بِهِ. وَقَدْ زَعَمْتَُما أَنِّي قَتَلْتُ عُثَْمانَ، فَبَيْنِي وَبَيْنَكُمَا مَنْ تَخَلَّفَ عَنِّي وَعَنْكُمَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ يُلْزَمُ كُلُّ امْرِئ بِقَدْرِ مَا احْتَمَلَ. فَارْجِعَا أَيُّهَا الشَّيْخَانِ عَنْ رَأْيِكُمَا، فَإِنَّ الاْنَ أَعْظَمَ أَمْرِكُمَا الْعَارُ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَجَمَّعَ الْعَارُ وَالنَّارُ، وَالسَّلاَمُ.
(إلى معاوية)
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللهَ سُبْحانَهُ قَدْ جَعَلَ الدُّنْيَا لِمَا بَعْدَهَا، وَابْتَلَى فِيهَا أَهْلَهَا، لِيَعْلَمَ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا، وَلَسْنَا لِلدُّنْيَا خُلِقْنَا، وَلاَ بِالسَّعْيِ فِيهَا أُمِرْنَا، وَإِنَّمَا وُضِعْنَا فِيهَا لِنُبْتَلَى بِهَا. وَقَدِ ابْتَلاَنِي اللهُ بِكَ وَابْتَلاَكَ بِي: فَجَعَلَ أَحَدَنَا حُجَّةً عَلَى الاْخَرِ، فَعَدَوْتَ عَلَى الدُّنْيَا بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ، فَطَلَبْتَنِي بِمَا لَمْ تَجْنِ يَدِي وَلاَ لِسَانِي، وَعَصَيْتَهُ أَنْتَ وَأَهْلُ الشَّامِ بِي، وَأَلَّبَ عَالِمُكُمْ جَاهِلَكُمْ، وَقَائِمُكُمْ قَاعِدَكُمْ. فَاتَّقِ اللهَ فِي نَفْسِكَ، وَنَازِعِ الشَّيْطَانَ قِيَادَكَ، وَاصْرِفْ إِلَى الاْخِرَةِ وَجْهَكَ، فَهِيَ طَرِيقُنَا وَطَرِيقُكَ. وَاحْذَرْ أَنْ يُصِيبَكَ اللهُ مِنْهُ بِعَاجِلِ قَارِعَة تَمَسُّ الاَْصْلَ، وَتَقْطَعُ الدَّابِرَ، فَإِنِّي أُولِي لَكَ بِاللهِ أَلِيَّةً غَيْرَ فَاجِرَة، لَئِنْ جَمَعَتْنِي وَإِيَّاكَ جَوَامِعُ الاَْقْدَارِ لاَ أَزَالُ بِبَاحَتِكَ (حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ).[ 1 ]