نام کتاب : نهج البلاغة نویسنده : الدشتي، محمد جلد : 1 صفحه : 28
أقول: إنّهُ لو كان كلامٌ يأخذ بالأعناق إلى الزهد في الدنيا، ويضطر إلى عمل الآخرة لكان هذا الكلام، وكفى به قاطعاً لعلائق الآمال، وقادحاً زناد الاتعاظ والازدجار، ومِنْ أعجبه قوله(عليه السلام) : «أَلاَ وَإِنَّ الْيَوْمَ المِضْمَارَ، وَغَداً السِّبَاقَ، وَالسَّبَقَةُ الْجَنَّةُ، وَالْغَايَةُ النَّارُ» فإن فيه ـ مع فخامة اللفظ، وعظم قدر المعنى، وصادق التمثيل، وواقع التشبيه ـ سرّاً عجيباً، ومعنى لطيفاً، وهو قوله(عليه السلام): «وَالسَّبَقَةُ الْجَنَّةُ، وَالْغَايَةُ النَّارُ» فخالف بين اللفظين لاختلاف المعنيين، ولم يقل: «السَّبَقَةُ النَّار» كما قال: «السَّبَقَةُ الْجَنَّةُ»; لأن الاستباق إنما يكون إلى أمر محبوب، وغرض مطلوب، وهذه صفة الجنّة وليس هذا المعنى موجوداً في النار، نعوذ بالله منها! فلم يجز أن يقول: «والسَّبَقَةُ النَّار» بل قال: «وَالْغَايَةُ النَّار»: لأن الغاية قد ينتهي إليها من لا يسره الانتهاء إليها، ومن يسره ذلك، فصَلح أن يعبر بها عن الأمرين معاً، فهي في هذا الموضع كالمصير والمآل، قال الله تعالى: «قُلْ تَمَتَّعُوا فَإنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ» ولا يجوز في هذا الموضع أن يقال: سبقتكم ـ بسكون الباء ـ إلى النار، فتأمل ذلك، فباطنه عجيب، وغوره بعيد لطيف.
وكذلك أكثر كلامه(عليه السلام). وفي بعض النسخ : وقد جاء في رواية أخرى «والسُّبْقَة الجَنَّة» ـ بضم السين ـ والسّبقة عندهم: اسم لما يجعل للسابق إذا سبق من مال أو عرض; والمعنيان متقاربان، لأن ذلك لا يكون جزاءً على فعل الأمر المذموم وإنما يكون جزاءً على فعل الأمر المحمود.
29 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)
سياسية ، اخلاقية ، تاريخية
بعد غارة الضحاك بن قيس صاحب معاوية على الحاجّ بعد قصة الحكمين