وَالْقُرِّ; فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ تَفِرُّونَ; فَأَنْتُمْ وَاللهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ!
يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلاَ رِجَالَ! حُلُومُ الاَْطْفَالِ، وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ، لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَ لَمْ أَعْرِفْكُمْ مَعْرِفَةً وَاللهِ جَرَّتْ نَدَماً، وَأَعَقَبَتْ سَدَماً (ذمّا). قَاتَلَكُمُ اللهُ! لَقَدْ مَلاَْتُمْ قَلْبِي قَيْحاً، وَشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظَاً، وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً، وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَالْخِذْلاَنِ; حَتَّى لَقَدْ قَالَتْ قُرَيْشٌ: إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِب رَجُلٌ شُجَاعٌ، وَلكِنْ لاَ عِلْمَ لَهُ بِالْحَرْبِ. لِلّهِ أَبُوهُمْ! وَهَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً (مقاما)، وَأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنِّي! لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ، وَها أَنَا ذَا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ! وَلكِنْ لاَ رَأْيَ لِمَنْ لاَ يُطَاعُ!
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الدُّنْيَا أَدْبَرَتْ، وَآذَنَتْ بِوَدَاع، وَإِنَّ الاْخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَأَشْرَفَتْ بِاطِّلاَع. أَلاَ وَ إِنَّ الْيَوْمَ المِضْمَارَ، وَغَداً السِّبَاقَ، وَالسَّبَقَةُ الْجَنَّةُ، وَالْغَايَةُ النَّارُ; أَفَلاَ تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ قَبْلَ مَنِيَّتِهِ! أَلاَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ! أَلاَ وَإِنَّكُمْ فِي أَيَّامِ أَمَل مِنْ وَرَائِهِ أَجَلٌ; فَمَنْ عَمِلَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ نَفَعَهُ عَمَلُهُ، وَ لَمْ يَضْرُرْهُ أَجَلُهُ. وَمَنْ قَصَّرَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ، فَقَدْ خَسِرَ عَمَلَهُ، وَضَرَّهُ أَجَلُهُ. أَلاَ فَاعْمَلُوا فِي الرَّغْبَةِ كَمَا تَعْمَلُونَ فِي الرَّهْبَةِ. أَلاَ وَإِنِّي لَمْ أَرَ كَالْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا، لاَ كَالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا ، أَلاَ وَإِنَّهُ مَنْ لاَ يَنْفَعُهُ الْحَقُّ يَضُرُّهُ الْبَاطِلُ، وَمَنْ لاَ يَسْتَقِيمُ (يستقم) بِهِ الْهُدى، يَجُرُّ (يجره) بِهِ الضَّلاَلُ إِلَى الرَّدَى. أَلاَ وَإِنَّكُمْ قَدْ أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ، وَدُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ; وَإِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَتَانِ: اتِّبَاعُ الْهَوَى، وَطُولُ الاَْمَلِ، فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تَحْرُزُونَ (تحوزون) بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَداً.