قاله بعد تلاوته: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ، حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ)[ 1 ]
يَا لَهُ مَرَاماً مَا أَبْعَدَهُ! وَزَوْراً مَا أَغْفَلَهُ! وَخَطَراً مَا أَفْظَعَهُ! لَقَدِ اسْتَخْلَوْا مِنْهُمْ أَيَّ مُدَّكِر (مذكّر)،وَتَنَاوَشُوهُمْ مِنْ مَكَان بَعِيد! أَفَبِمَصَارِعِ آبَائِهِمْ يَفْخَرُونَ! أَمْ بِعَدِيدِ الْهَلْكَى يَتَكَاثَرُونَ! يَرْتَجِعُونَ مِنْهُمْ أَجْسَاداً خَوَتْ، وَحَرَكَات سَكَنَتْ. وَلاََنْ يَكُونُوا عِبَراً، أَحَقُّ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مُفْتَخَراً; وَلاََنْ يَهْبِطُوا بِهِمْ جَنَابَ ذِلَّة، أَحْجَى مِنْ أَنْ يَقُومُوا بِهِمْ مَقَامَ عِزَّة! لَقَدْ نَظَرُوا إِلَيْهِمْ بِأَبْصَارِ الْعَشْوَةِ، وَضَرَبُوا مِنْهُمْ فِي غَمْرَةِ جَهَالَة، وَلَوِ اسْتَنْطَقُوا عَنْهُمْ عَرَصَاتِ تِلْكَ الدِّيَارِ الْخَاوِيَةِ، وَالرَّبُوعِ الْخَالِيَةِ، لَقَالَتْ: ذَهَبُوا فِي الاَْرْضِ ضُلاَّلا، وَذَهَبْتُمْ فِي أَعْقَابِهِمْ جُهَّالا، تَطَؤُونَ فِي هَامِهِمْ، وَتَسْتَنْبِطُونَ فِي أَجْسَادِهِمْ، وَتَرْتَعُونَ فِيَما لَفَظُوا، وَتَسْكُنُونَ فِيَما خَرَّبُوا; وَإِنَّمَا الاَْيَّامُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ بَوَاك وَنَوَائِحُ عَلَيْكُمْ. أُولئِكُمْ سَلَفُ غَايَتِكُمْ، وَفُرَّاطُ مَنَاهِلِكُمْ.
الَّذِينَ كَانَتْ لَهُمْ مَقَاوِمُ الْعِزِّ، وَحَلَبَاتُ (جلباب) الْفَخْرِ، مُلُوكاً وَسُوَقاً سَلَكُوا فِي بُطُونِ الْبَرْزَخِ سَبِيلا (طريقاً) سُلِّطَتِ الاَْرْضُ عَلَيْهِمْ فِيهِ، فَأَكَلَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ، وَشَرِبَتْ مِنْ دِمَائِهِمْ; فَأَصْبَحُوا فِي فَجَوَاتِ قُبُورِهِمْ جَمَاداً لاَ يَنْمُونَ، وَضِمَاراً لاَ يُوجَدُونَ; لاَ يُفْزِعُهُمْ وُرُودُ الاَْهْوَالِ، وَلاَ يَحْزُنُهُمْ تَنَكُّرُ الاَْحْوَالِ، وَلاَ يَحْفِلُونَ بِالرَّوَاجِفِ، وَلاَ يَأْذَنُونَ لِلْقَوَاصِفِ. غُيَّباً لاَ يُنْتَظَرُونَ، وَشُهُوداً لاَ يَحْضُرُونَ، وَإِنَّمَا كَانُوا جَمِيعاً فَتَشَتَّتُوا، وَآلاَفاً فَافْتَرَقُوا، وَمَا عَنْ طُولِ عَهْدِهِمْ، وَلاَ بُعْدِ مَحَلِّهِمْ، عَمِيَتْ أَخْبَارُهُمْ، وَصَمَّتْ دِيَارُهُمْ، وَلكِنَّهُمْ سُقُوا كَأْساً بَدَّلَتْهُمْ بِالنُّطْقِ خَرَساً، وَبِالسَّمْعِ صَمَماً، وَبِالْحَرَكَاتِ سُكُوناً،