وَيَسْتَفْهِمُهُ، حَتَّى إِنْ كَانُوا لَيُحِبُّونَ أَنْ يَجِيءَ الاَْعْرَابِيُّ وَ الطَّارِئُ، فَيَسْأَلَهُ(عليه السلام)حَتَّى يَسْمَعُوا، وَ كَانَ لاَيَمُرُّبِي مِنْ ذلِكَ شَيْءٌ إِلاَّ سَأَلْتُهُ عَنْهُ وَ حَفِظْتُهُ فَهذِهِ وُجُوهُ مَا عَلَيْهِ النَّاسُ فِي اخْتِلاَفِهِمْ، وَعِلَلِهِمْ فِي رِوَايَاتِهِمْ.
وَكَانَ مِنِ اقْتِدَارِ جَبَرُوتِهِ، وَبَدِيعِ لَطَائِفِ صَنْعَتِهِ، أَنْ جَعَلَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ (اليمّ) الزَّاخِرِ الْمُتَرَاكِمِ الْمُتَقَاصِفِ، يَبَساً جَامِداً، ثُمَّ فَطَرَ مِنْهُ أَطْبَاقاً، فَفَتَقَهَا سَبْعَ سَمَاوَات بَعْدَ ارْتِتَاقِهَا، فَاسْتَمْسَكَتْ بِأَمْرِهِ، وَقَامَتْ عَلَى حَدِّهِ. وَأَرْسَى أَرْضاً يَحْمِلُهَا الاَْخْضَرُ الْمُثْعَنْجِرُ، وَالْقَمْقَامُ الْمُسَخَّرُ (المسجّر)، قَدْ ذَلَّ لاَِمْرِهِ، وَأَذْعَنَ لِهَيْبَتِهِ، وَوَقَفَ الْجَارِي مِنْهُ لِخَشْيَتِهِ. وَجَبَلَ جَلاَمِيدَهَا، وَنُشُوزَ مُتُونِهَا وَأَطْوَادِهَا، فَأَرْسَاهَا فِي مَرَاسِيهَا، وَأَلْزَمَهَا قَرَارَاتِهَا، فَمَضَتْ رُؤُوسُهَا فِي الْهَوَاءِ، وَرَسَتْ أُصُولُهَا فِي الْمَاءِ، فَأَنْهَدَ جِبَالَهَا عَنْ سُهُولِهَا، وَأَسَاخَ قَوَاعِدَهَا فِي مُتُونِ أَقْطَارِهَا وَمَواضِعِ أَنْصَابِهَا، فَأَشْهَقَ قِلاَلَهَا، وَأَطَالَ أَنْشَازَهَا، وَجَعَلَهَا لِلاَْرْضِ عِمَاداً، وَأَرَّزَهَا فِيهَا أَوْتَاداً، فَسَكَنَتْ عَلَى حَرَكَتِهَا مِنْ أَنْ تَمِيدَ بِأَهْلِهَا، أَوْ تَسِيخَ بِحِمْلِهَا، أَوْ تَزُولَ عَنْ مَوَاضِعِهَا. فَسُبْحَانَ مَنْ أَمْسَكَهَا بَعْدَ مَوَجَانِ مِيَاهِهَا، وَأَجْمَدَهَا بَعْدَ رُطُوبَةِ أَكْنَافِهَا، فَجَعَلَهَا لِخَلْقِهِ مِهَاداً، وَبَسَطَهَا لَهُمْ فِرَاشاً!
فَوْقَ بَحْر لُجِّيٍّ رَاكِد لاَ يَجْرِي، وَقَائِم لاَ يَسْرِي، تُكَرْكِرُهُ الرِّيَاحُ الْعَوَاصِفُ، وَتَمْخُضُهُ الْغَمَامُ الذَّوَارِفُ; (إِنَّ في ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى).[ 1 ]