أمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الاَْمْرَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الاَْرْضِ كَقَطَرَاتِ الْمَطَرِ إِلَى كُلِّ نَفْس بِمَا قُسِمَ لَهَا مِنْ زِيَادَة أَوْ نُقْصَان، فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ لاَِخِيهِ غَفِيرَةً فِي أَهْل أَوْ مَال أَوْ نَفْس فَلاَ تَكُونَنَّ لَهُ فِتْنَةً.
فَإنَّ الْمَرْءَ الْمُسْلِمَ مَا لَمْ يَغْشَ دَنَاءَة تَظْهَرُ (تَطهُر) فَيَخْشَعُ لَهَا إِذَا ذُكِرَتْ، وَيُغْرَى بِهَا لِئَامُ النَّاسِ، كَانَ كَالْفَالِجِ الْيَاسِرِ الَّذِي يَنْتَظِرُ أَوَّلَ فَوْزَة مِنْ قِدَاحِهِ تُوجِبُ لَهُ الْمَغْنَمَ، وَيُرْفَعُ بِهَا عَنْهُ الْمَغْرَمُ.
وَكَذلِكَ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ الْبَرِيءُ مِنَ الْخِيَانَةِ يَنْتَظِرُ مِنَ اللهِ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ: إِمَّا دَاعِيَ اللهِ فَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لَهُ، وَإِمَّا رِزْقَ اللهِ فَإِذَا هُوَ ذُو أَهْل وَمَال، وَمَعَهُ دِينُهُ وَحَسَبُهُ. وَإِنَّ الْمَالَ وَالْبَنِينَ حَرْثُ الدُّنْيَا، وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ حَرْثُ الاْخِرَةِ، وَقَدْ يَجْمَعُهُمَا اللهُ تَعَالى لاَِقْوَام، فَاحْذَرُوا مِنَ اللهِ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ (شخصه)، وَاخْشَوْهُ خَشْيَةً لَيْسَتْ بِتَعْذِير، وَاعْمَلُوا فِي غَيْرِ رِيَاء وَلاَ سُمْعَة; فَإِنَّهُ مَنْ يَعْمَلْ لِغَيْرِ اللهِ يَكِلْهُ اللهُ لِمَنْ عَمِلَ لَهُ. نَسْأَلُ اللهَ مَنَازِلَ الشُّهَداءِ، وَمُعَايَشَةَ السُّعَدَاءِ، وَمُرَافَقَةَ الاْنْبِيَاءِ.
أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لاَ يَسْتَغْنِي الرَّجُلُ وَإِنْ كَانَ ذَا مَال عَنْ عِتْرَتِهِ (عشيرته)، وَدِفَاعِهِمْ عَنْهُ بِأَيْدِيهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ، وَهُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ حَيْطَةً مِنْ وَرَائِهِ، وَأَلَمُّهُمْ لِشَعَثِهِ، وَأَعْطَفُهُمْ عَلَيْهِ عِنْدَ نَازِلَة إِذَا نَزَلَتْ بِهِ. وَلِسَانُ الصِّدْقِ يَجْعَلُهُ اللهُ لِلْمَرْءِ فِي النَّاسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْمَالِ يَرِثُهُ غَيْرُهُ.
و منها : أَلاَ لاَيَعْدِلَنَّ أَحَدُكُمْ عَنِ الْقَرَابَةِ يَرَى بِهَا الْخَصَاصَةَ أَنْ يَسُدَّهَا بِالَّذِي لاَ يَزِيدُهُ إِنْ أَمْسَكَهُ وَلاَ يَنْقُصُهُ إِنْ أَهْلَكَهُ; وَمَنْ يَقْبِضْ يَدَهُ عَنْ عَشِيرَتِهِ، فَإِنَّمَا تُقْبَضُ مِنْهُ عَنْهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ، وَتُقْبَضُ مِنْهُمْ عَنْهُ أَيْد كَثِيرَةٌ; وَمَنْ تَلِنْ حَاشِيَتُهُ يَسْتَدِمُ مِنْ قَوْمِهِ الْمَوَدَّةَ المحبّة).