مِنْ خَطَرَاتِ الشَّيْطَانِ وَنَخَوَاتِهِ، وَنَزَغَاتِهِ وَنَفَثَاتِهِ. وَاعْتَمِدُوا وَضْعَ التَّذَلُّلِ عَلَى رُؤُوسِكُمْ، وَإِلْقَاءَ التَّعَزُّزِ تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ، وَخَلْعَ التَّكَبُّرِ مِنْ أَعْنَاقِكُمْ; وَاتَّخِذُوا التَّوَاضُعَ مَسْلَحَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّكُمْ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ; فَإِنَّ لَهُ مِنْ كُلِّ أُمَّة جُنُوداً وَأَعْوَاناً، وَرَجِلا وَفُرْسَاناً. وَلاَ تَكُونُوا كَالْمُتَكَبِّرِ عَلَى ابْنِ أُمِّهِ مِنْ غَيْرِ مَا فَضْل جَعَلَهُ اللهُ فِيهِ سِوَى مَا أَلْحَقَتِ الْعَظَمَةُ بِنَفْسِهِ مِنْ عَدَاوَةِ الْحَسَدِ (الحسب)، وَقَدَحَتِ الْحَمِيَّةُ فِي قَلْبِهِ مِنْ نَارِ الْغَضَبِ، وَنَفَخَ الشَّيْطَانُ فِي أَنْفِهِ مِنْ رِيحِ الْكِبْرِ الَّذِي أَعْقَبَهُ اللهُ بِهِ النَّدَامَةَ، وَأَلْزَمَهُ آثَامَ الْقَاتِلِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
أَلاَ وَقَدْ أَمْعَنْتُمْ فِي الْبَغْيِ، وَأَفْسَدْتُمْ فِي الاَْرْضِ، مُصَارَحَةً لِلّهِ بِالْمُنَاصَبَةِ، وَمُبَارَزَةً لِلْمُؤْمِنِينَ بِالُْمحَارَبَةِ. فَاللهَ اللهَ فِي كِبْرِ الْحَمِيَّةِ وَفَخْرِ الْجَاهِلِيَّةِ! فَإِنَّهُ مَلاَقِحُ الشَّنَآنِ، وَمَنَافِخُ الشَّيْطَانِ، الَّتِي خَدَعَ بِهَا الاُْمَمَ الْمَاضِيَةَ، وَالْقُرُونَ الْخَالِيَةَ. حَتَّى أَعْنَقُوا فِي حَنَادِسِ جَهَالَتِهِ، وَمَهَاوِي ضَلاَلَتِهِ، ذُلُلا عَنْ سِيَاقِهِ، سُلُساً فِي قِيَادِهِ. أَمْراً تَشَابَهَتِ الْقُلُوبُ فِيهِ، وَتَتَابَعَتِ الْقُرُونُ عَلَيْهِ، وَكِبْراً تَضَايَقَتِ الصُّدُورُ بِهِ.
أَلاَ فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ طَاعَةِ سَادَاتِكُمْ وَكُبَرَائِكُمْ! الَّذِينَ تَكَبَّرُوا عَنْ حَسَبِهِمْ، وَتَرَفَّعُوا فَوْقَ نَسَبِهِمْ، وَأَلْقُوا الْهَجِينَةَ عَلَى رَبِّهِمْ، وَجَاحَدُوا اللهَ عَلَى مَا صَنَعَ بِهِمْ، مُكَابَرَةً لِقَضَائِهِ، وَمُغَالَبَةً لاِلاَئِهِ فَإِنَّهُمْ قَوَاعِدُ أَسَاسِ الْعَصَبِيَّةِ، وَدَعَائِمُ أَرْكانِ الْفِتْنَةِ، وَسُيُوفُ اعْتِزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ. فَاتَّقُوا اللهَ وَلاَ تَكُونُوا لِنِعَمِهِ عَلَيْكُمْ أَضْدَاداً، وَلاَ لِفَضْلِهِ عِنْدَكُمْ حُسَّاداً. وَلاَ تُطِيعُوا الاَْدْعِيَاءَ الَّذِينَ شَرِبْتُمْ بِصَفْوِكُمْ كَدَرَهُمْ، وَخَلَطْتُمْ بِصِحَّتِكُمْ مَرَضَهُمْ، وَأَدْخَلْتُمْ فِي حَقِّكُمْ بَاطِلَهُمْ، وَهُمْ أَسَاسُ الْفُسُوقِ، وَأَحْلاَسُ الْعُقُوقِ اتَّخَذَهُمْ إِبْلِيسُ مَطَايَا ضَلاَل، وَجُنْداً بِهِمْ يَصُولُ عَلَى النَّاسِ، وَتَرَاجِمَةً يَنْطِقُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ، اسْتِرَاقاً لِعُقُولِكُمْ وَدُخُولا فِي عُيُونِكُمْ، وَنَفْثاً (نثّاً) فِي أَسْمَاعِكُمْ.
فَجَعَلَكُمْ مَرْمَى نَبْلِهِ، وَمَوْطِئَ قَدَمِهِ، وَمَأْخَذَ يَدِهِ.