أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي، وَاللهِ، مَا أَحُثُّكُمْ عَلَى طَاعَة إِلاَّ وَأَسْبِقُكُمْ إِلَيْهَا، وَلاَ أَنْهَاكُمْ عَنْ مَعْصِيَة إِلاَّ وَأَتَنَاهَى قَبْلَكُمْ عَنْهَا.
انْتَفِعُوا بِبَيَانِ اللهِ، وَاتَّعِظُوا بِمَوَاعِظِ اللهِ، وَاقْبَلُوا نَصِيحَةَ اللهِ. فَإِنَّ اللهَ قَدْ أَعْذَرَ إِلَيْكُمْ بِالْجَلِيَّةِ، وَاتَّخَذَ عَلَيْكُمُ الْحُجَّةَ، وَبَيَّنَ لَكُمْ مَحَابَّهُ مِنَ الاَْعْمَالِ، وَمَكَارِهَهُ مِنْهَا، لِتَتَّبِعُوا (لتتبغوا) هذِهِ، وَ تَجْتَنِبُوا هذِهِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) كَانَ يَقُولُ : «إِنَّ الْجَنَّةَ حُفَّتْ (حجبت) بِالْمَكَارِهِ، وَإِنَّ النَّارَ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ». وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَا مِنْ طَاعَةِ اللهِ شَيْءٌ إِلاَّ يَأْتِي فِي كُرْه، وَمَا مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ شَيْءٌ إِلاَّ يَأْتِي فِي شَهْوَة. فَرَحِمَ اللهُ امْرَأً نَزَعَ عَنْ شَهْوَتِهِ، وَقَمَعَ هَوَى نَفْسِهِ، فَإِنَّ هذِهِ النَّفْسَ أَبْعَدُ شَيْء مَنْزِعاً، وَإِنَّهَا لاَ تَزَالُ تَنْزِعُ إِلَى مَعْصِيَة فِي هَوًى. وَاعْلَمُوا ـ عِبَادَ اللهِ ـ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يُصْبِحُ وَلاَ يُمْسِي إِلاَّ وَنَفْسُهُ ظَنُونٌ عِنْدَهُ، فَلاَ يَزَالُ زَارِياً عَلَيْهَا وَمُسْتَزِيداً لَهَا. فَكُونُوا كَالسَّابِقِينَ قَبْلَكُمْ، وَالْمَاضِينَ أَمَامَكُمْ. قَوَّضُوا مِنَ الدُّنْيَا تَقْوِيضَ الرَّاحِلَ، وَطَوَوْهَا طَيَّ الْمَنَازِلَ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ هذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لاَ يَغُشُّ، وَالْهَادِي الَّذِي لاَ يُضِلُّ، وَالُْمحَدِّثُ الَّذِي لاَ يَكْذِبُ. وَمَا جَالَسَ هذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلاَّ قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَة أَوْ نُقْصَان: زِيَادَة فِي هُدًى، أَوْ نُقْصَان مِنْ عَمىً. وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَد بَعْدَ الْقُرْآنِ مِنْ فَاقَة، وَلاَ لاَِحَد قَبْلَ الْقُرْآنِ مِنْ غِنًى; فَاسْتَشْفُوهُ مِنْ أَدْوَائِكُمْ،