وَاللهِ مَا اسْتَعْجَلَ مُتَجَرِّداً لِلطَّلَبِ بِدَمِ عُثَْمانَ إِلاَّ خَوْفاً مِنْ أَنْ يُطَالَبَ بِدَمِهِ، لاََنَّهُ مَظِنَّتُهُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْقَوْمِ أَحْرَصُ عَلَيْهِ مِنْهُ، فَأَرَادَ أَنْ يُغَالِطَ بِمَا أَجْلَبَ فِيهِ لِيَلْتَبِسَ (يلبس) الاَْمْرُ وَيَقَعَ الشَّكُّ. وَوَاللهِ مَا صَنَعَ فِي أَمْرِ عُثَْمانَ وَاحِدَةً مِنْ ثَلاَث: لَئِنْ كَانَ ابْنُ عَفَّانَ ظَالِماً ـ كَمَا كَانَ يَزْعُمُ ـ لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُوَازِرَ قَاتِلِيهِ، وَأَنْ يُنَابِذَ نَاصِرِيهِ. وَلَئِنْ كَانَ مَظْلُوماً لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُنَهْنِهِينَ عَنْهُ، وَ الْمُعَذِّرِينَ فِيهِ. وَلَئِنْ كَانَ فِي شَكٍّ مِنَ الْخَصْلَتَيْنِ، لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْتَزِلَهُ وَيَرْكُدَ (يركب) جَانِباً، وَيَدَعَ النَّاسَ مَعَهُ. فَمَا فَعَلَ وَاحِدَةً مِنَ الثَّلاَثِ، وَجَاءَ بِأَمْر لَمْ يُعْرَفْ بَابُهُ، وَ لَمْ تَسْلَمْ مَعَاذِيرُهُ.
أَيُّهَا النَّاسُ غَيْرُ الْمَغْفُولِ عَنْهُمْ، وَالتَّارِكُونَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ. مَا لِي أَرَاكُمْ عَنِ اللهِ ذَاهِبِينَ، وَإِلَى غَيْرِهِ رَاغِبِينَ! كَأَنَّكُمْ نَعَمٌ أَرَاحَ بِهَا سَائِمٌ إِلَى مَرْعًى وَبِيٍّ، وَمَشْرَب دَوِيٍّ (روىّ). وَإِنَّمَا هِيَ كَالْمَعْلُوفَةِ لِلْمُدَى لاَ تَعْرِفُ مَاذَا يُرَادُ بِهَا! إِذَا أُحْسِنَ إِلَيْهَا تَحْسَبُ يَوْمَهَا دَهْرَهَا، وَشِبَعَهَا أَمْرَهَا.
وَاللهِ لَوْ شِئْتُ أَنْ أُخْبِرَ كُلَّ رَجُل مِنْكُمْ بِمَخْرَجِهِ وَمَوْلِجِهِ وَجَمِيعِ شَأْنِهِ لَفَعَلْتُ، وَلكِنْ أَخَافُ أَنْ تَكْفُرُوا فِيَّ بِرَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم). أَلاَ وَإِنِّي مُفْضِيهِ إِلَى الْخَاصَّةِ مِمَّنْ يُؤْمَنُ ذلِكَ مِنْهُ. وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ، وَاصْطَفَاهُ عَلَى الْخَلْقِ، مَا أَنْطِقُ إِلاَّ صَادِقاً، وَقَدْ عَهِدَ إِلَيَّ بِذلِكَ كُلِّهِ، وَبِمَهْلِكِ مَنْ يَهْلِكُ، وَمَنْجَى مَنْ يَنْجُو، وَمَآلِ هذَا الاَْمْرِ. وَمَا أَبْقَى شَيْئاً يَمُرُّ عَلَى رَأْسِي إِلاَّ أَفْرَغَهُ فِي أُذُنَيَّ وَأَفْضَى بِهِ إِلَيَّ.