يَمْشِي مَشْيَ الْمَرِحِ الُْمخْتَالِ، وَيَتَصَفَّحُ ذَنَبَهُ وَجَنَاحَيْهِ، فَيُقَهْقِهُ ضَاحِكاً لِجَمَالِ سِرْبَالِهِ، وَأَصَابِيغِ وِشَاحِهِ; فَإِذَا رَمَى بِبَصَرِهِ إِلَى قَوَائِمِهِ زَقَا مُعْوِلا بِصَوْت يَكَادُ يُبِينُ عَنِ اسْتِغَاثَتِهِ، وَيَشْهَدُ بِصَادِقِ تَوَجُّعِهِ، لاَِنَّ قَوَائِمَهُ حُمْشٌ كَقَوَائِمِ الدِّيَكَةِ الْخِلاَسِيَّةِ. وَ قَدْ نَجَمَتْ مِنْ ظُنْبُوبِ سَاقِهِ صِيصِيَةٌ خَفِيَّةٌ.
وَلَهُ فِي مَوْضِعِ الْعُرْفِ قُنْزُعَةٌ خَضْرَاءُ مُوَشَّاةٌ. وَمَخْرَجُ عُنُقِهِ كَالاِْبْرِيقِ، وَمَغْرَزُهَا إِلَى حَيْثُ (جنب) بَطْنُهُ كَصِبْغِ الْوَسِمَةِ (الوشمة) الَْيمَانِيَّةِ، أَوْ كَحَرِيرَة مُلْبَسَة مِرْآةً ذَاتَ صِقَال، وَكَأَنَّهُ مُتَلَفِّحٌ بِمِعْجَر أَسْحَمَ; إِلاَّ أَنَّهُ يُخَيَّلُ لِكَثْرَةِ مَائِهِ، وَشِدَّةِ بَرِيقِهِ، أَنَّ الْخُضْرَةَ النَّاضِرَةَ مُمْتَزِجَةٌ بِهِ. وَمَعَ فَتْقِ سَمْعِهِ خَطٌّ كَمُسْتَدَقِّ الْقَلَمِ فِي لَوْنِ الاُْقْحُوَانِ، أَبْيَضُ يَقَقٌ، فَهُوَ بِبَيَاضِهِ فِي سَوَادِ مَا هُنَالِكَ يَأْتَلِقُ. وَقَلَّ صِبْغٌ إِلاَّ وَقَدْ أَخَذَ مِنْهُ بِقِسْط، وَعَلاَهُ بِكَثْرَةِ صِقَالِهِ وَبَرِيقِهِ، وَبَصِيصِ دِيبَاجِهِ وَرَوْنَقِهِ. فَهُوَ كَالاَْزَاهِيرِ الْمَبْثُوثَةِ، لَمْ تُرَبِّهَا أَمْطَارُ رَبِيع، وَلاَشُمُوسُ قَيْظ. وَقَدْ يَنْحَسِرُ مِنْ رِيشِهِ، وَيَعْرَى مِنْ لِبَاسِهِ، فَيَسْقُطُ تَتْرَى، وَيَنْبُتُ تِبَاعاً، فَيَنْحَتُّ مِنْ قَصَبِهِ انْحِتَاتَ أَوْرَاقِ الاَْغْصَانِ، ثُمَّ يَتَلاَحَقُ نَامِياً حَتَّى يَعُودَ كَهَيْئَتِهِ قَبْلَ سُقُوطِهِ، لاَ يُخَالِفُ سَالِفَ (ساتر) أَلْوَانِهِ، وَلاَ يَقَعُ لَوْنٌ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ! وَإِذَا تَصَفَّحْتَ شَعْرَةً مِنْ شَعَرَاتِ قَصَبِهِ أَرَتْكَ حُمْرَةً وَرْدِيَّةً، وَتَارَةً خُضْرَةً زَبَرْجَدِيَّةً، وَأَحْيَاناً صُفْرَةً عَسْجَدِيَّةً.
فَكَيْفَ تَصِلُ إِلَى صِفَةِ هذَا عَمَائِقُ الْفِطَنِ، أَوْ تَبْلُغُهُ قَرَائِحُ الْعُقُولِ، أَوْ تَسْتَنْظِمُ وَصْفَهُ أَقْوَالُ الْوَاصِفِينَ! وَأَقَلُّ أَجْزَائِهِ قَدْ أَعْجَزَ الاَْوْهَامَ أَنْ تُدْرِكَهُ، وَالاَْلْسِنَةَ أَنْ تَصِفَهُ! فَسُبْحَانَ الَّذِي بَهَرَ الْعُقُولَ عَنْ وَصْفِ خَلْق جَلاَّهُ لِلْعُيُونِ، فَأَدْرَكَتْهُ مَحْدُوداً مُكَوَّناً، وَمُؤَلَّفاً مُلَوَّناً; وَأَعْجَزَ الاَْلْسُنَ عَنْ تَلْخِيصِ صِفَتِهِ، وَقَعَدَ بِهَا عَنْ تَأْدِيَةِ نَعْتِهِ!