يَسْتَفْرِغُ الْعَجَبَ، وَيُكْثِرُ الاَْوَدَ! حَاوَلَ الْقَوْمُ إِطْفَاءَ نُورِ اللهِ مِنْ مِصْبَاحِهِ،وَسَدَّ فَوَّارِهِ مِنْ يَنْبُوعِهِ، وَجَدَحُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ شِرْباً وَبِيئاً، فَإِنْ تَرْتَفِعْ عَنَّا وَعَنْهُمْ مِحَنُ الْبَلْوَى، أَحْمِلْهُمْ مِنَ الْحَقِّ عَلَى مَحْضِهِ; وَإِنْ تَكُنِ الاُْخْرَى. (فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَات، إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ).[ 1 ]
الْحَمْدُ لِلّهِ خَالِقِ الْعِبَادِ، وَسَاطِحِ الْمِهَادِ، وَمُسِيلِ الْوِهَادِ، وَمُخْصِبِ النَّجَادِ. لَيْسَ لاَِوَّلِيَّتِهِ ابْتِدَاءٌ، وَلاَ لاَِزَلِيَّتِهِ انْقِضَاءٌ هُوَ الاَْوَّلُ وَلَمْ يَزَلْ، وَالْبَاقِي بِلاَ أَجَل. خَرَّتْ لَهُ الْجِبَاهُ، وَوَحَّدَتْهُ الشِّفَاهُ.
حَدَّ الاَْشْيَاءَ عِنْدَ خَلْقِهِ لَهَا إِبَانَةً لَهُ مِنْ شَبَهِهَا. لاَ تُقَدِّرُهُ الاَْوْهَامُ بِالْحُدُودِ وَالْحَرَكَاتِ، وَلاَ بِالْجَوَارِحِ وَالاَْدَواتِ. لاَ يُقَالُ لَهُ : « مَتَى؟» وَلاَ يُضْرَبُ لَهُ أَمَدٌ «بِحَتَّى». الظَّاهِرُ لاَ يُقَالُ: «مِمَّ؟» وَالْبَاطِنُ لاَ يُقَالُ: «فِيمَ؟» لاَ شَبَحٌ فَيُتَقَصَّى، وَلاَ مَحْجُوبٌ فَيُحْوَى. لَمْ يَقْرُبْ مِنَ الاَْشْيَاءِ بِالْتِصَاق، وَلَمْ يَبْعُدْ عَنْهَا بِافْتِرَاق. وَلاَيَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ عِبَادِهِ شُخُوصُ لَحْظَة، وَلاَ كُرُورُ لَفْظَة، وَلاَ ازْدِلاَفُ رَبْوَة، وَلاَ انْبِسَاطُ خُطْوَة، فِي لَيْل دَاج، وَلاَ غَسَق سَاج، يَتَفَيَّأُ عَلَيْهِ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ، وَتَعْقُبُهُ الشَّمْسُ ذَاتُ النُّورِ فِي الاُْفُولِ وَالْكُرُورِ، وَتَقَلُّبِ الاَْزْمِنَةِ وَالدُّهُورِ، مِنْ إِقْبَالِ لَيْل مُقْبِل، وَإِدْبَارِ نَهَار مُدْبِر.
قَبْلَ كُلِّ غَايَة وَمُدَّة، وَكُلِّ إِحْصَاء وَعِدَّة، تَعَالَى عَمَّا يَنْحَلُهُ الُْمحَدِّدُونَ مِنْ صِفَاتِ الاَْقْدَارِ، وَنِهَايَاتِ الاَْقْطَارِ، وَتَأَثُّلِ الْمَسَاكِنِ، وَتَمَكُّنِ الاَْمَاكِنِ. فَالْحَدُّ لِخَلْقِهِ مَضْرُوبٌ، وَإِلَى غَيْرِهِ مَنْسُوبٌ.