النَّاسِ مِنْهُ. فَتَأَسَّى مُتَأَسٍّ بِنَبِيِّهِ، وَاقْتَصَّ أَثَرَهُ، وَوَلَجَ مَوْلِجَهُ، وَإِلاَّ فَلاَ يَأْمَنِ الْهَلَكَةَ، فَإِنَّ اللهَ جَعَلَ مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله وسلم)عَلَماً لِلسَّاعَةِ، وَمُبَشِّراً بِالْجَنَّةِ، وَمُنْذِراً بِالْعُقُوبَةِ. خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا خَمِيصاً، وَوَرَدَ الاْخِرَةَ سَلِيماً. لَمْ يَضَعْ حَجَراً عَلَى حَجَر، حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ، وَأَجَابَ دَاعِيَ رَبِّهِ. فَمَا أَعْظَمَ مِنَّةَ اللهِ عِنْدَ نَاحِينَ أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِهِ سَلَفاً نَتَّبِعُهُ، وَقَائِداً نَطَأُ عَقِبَهُ! وَاللهِ لَقَدْ رَقَّعْتُ مِدْرَعَتِي هذِهِ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَاقِعِهَا.
وَلَقَدْ قَالَ لِي قَائِلٌ: أَلاَ تَنْبِذُهَا عَنْكَ؟ فَقُلْتُ: اغْرُبْ (اعزب) عَنِّي، فَعِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى!
ابْتَعَثَهُ بِالنُّورِ الْمُضِيءِ، وَالْبُرْهَانِ الْجَلِيِّ، وَالْمِنْهَاجِ الْبَادِي، وَالْكِتَابِ الْهَادِي. أُسْرَتُهُ خَيْرُ أُسْرَة، وَشَجَرَتُهُ خَيْرُ شَجَرَة; أَغْصَانُهَا مُعْتَدِلَةٌ، وَثِمَارُهَا مُتَهَدِّلَةٌ. مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ، وَهِجْرَتُهُ بِطَيْبَةَ. عَلاَ بِهَا ذِكْرُهُ وَامْتَدَّ مِنْهَا صَوْتُهُ. أَرْسَلَهُ بِحُجَّة كَافِيَة، وَمَوْعِظَة شَافِيَة، وَدَعْوَة مُتَلاَفِيَة. أَظْهَرَ بِهِ الشَّرَائِعَ الَْمجْهُولَةَ، وَقَمَعَ بِهِ الْبِدَعَ الْمَدْخُولَةَ، وَبَيَّنَ بِهِ الاَْحْكَامَ الْمَفْصُولَةَ. فَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الاِْسْلاَمِ دِيناً تَتَحَقَّقْ شِقْوَتُهُ، وَتَنْفَصِمْ عُرْوَتُهُ، وَتَعْظُمْ كَبْوَتُهُ، وَيَكُنْ مَآبُهُ إِلَى الْحُزْنِ الطَّوِيلِ وَالْعَذَابِ الْوَبِيلِ (الشّديد). وَأَتَوَكَّلُ عَلَى اللهِ تَوَكُّلَ الاِْنَابَةِ إِلَيْهِ، وَأَسْتَرْشِدُهُ السَّبِيلَ الْمُؤَدِّيَةَ إِلَى جَنَّتِهِ، الْقَاصِدَةَ إِلَى مَحَلِّ رَغْبَتِهِ.
أُوصِيكُمْ، عِبَادَ اللهِ، بِتَقْوَى اللهِ وَطَاعَتِهِ، فَإِنَّهَا النَّجَاةُ غَداً، وَالْمَنْجَاةُ أَبَداً. رَهَّبَ فَأَبْلَغَ، وَرَغَّبَ فَأَسْبَغَ; وَوَصَفَ لَكُمُ الدُّنْيَا وَانْقِطَاعَهَا، وَزَوَالَهَا وَانْتِقَالَهَا. فَأَعْرِضُوا عَمَّا يُعْجِبُكُمْ فِيهَا لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكُمْ