وَأَحْمَدَ اللهَ وَأَسْتَعِينُهُ عَلَى مَدَاحِرِ الشَّيْطَانِ وَمَزَاجِرِهِ (مزاحره)، وَالاِْعْتِصَامِ مِنْ حَبَائِلِهِ وَمَخَاتِلِهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلْهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَنَجِيبُهُ وَصَفْوَتُهُ. لاَ يُؤَازَى فَضْلُهُ، وَلاَ يُجْبَرُ فَقْدُهُ. أَضَاءَتْ بِهِ الْبِلاَدُ بَعْدَ الضَّلاَلَةِ الْمُظْلِمَةِ، وَالْجَهَالَةِ الْغَالِبَةِ، وَالْجَفْوَةِ الْجَافِيَةِ; وَالنَّاسُ يَسْتَحِلُّونَ الْحَرِيمَ، وَيَسْتَذِلُّونَ الْحَكِيمَ (الحليم) ; يَحْيَوْنَ عَلَى فَتْرَة، وَيَمُوتُونَ عَلَى كَفْرَةِ!
ثُمَّ إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ أَغْرَاضُ بَلاَيَا قَدِ اقْتَرَبَتْ. فَاتَّقُوا سَكَرَاتِ النِّعْمَةِ، وَاحْذَرُوا بَوَائِقَ النِّقْمَةِ، وَتَثَبَّتُوا فِي قَتَامِ الْعِشْوَةِ، وَاعْوِجَاجِ الْفِتْنَةِ عِنْدَ طُلُوعِ جَنِينِهَا، وَظُهُورِ كَمِينِهَا، وَانْتِصَابِ قُطْبِهَا، وَمَدَارِ رَحَاهَا. تَبْدَأُ فِي مَدَارِجَ خَفِيَّة، وَتَؤُولُ إِلَى فَظَاعَة جَلِيَّة. شِبَابُهَا كَشِبَابِ الْغُلاَمِ، وَآثَارُهَا كَآثَارِ السِّلاَمِ، يَتَوَارَثُهَا الظَّلَمَةُ بِالْعُهُودِ! أَوَّلُهُمْ قَائِدٌ لاِخِرِهِمْ، وَآخِرُهُمْ مُقْتَد بِأَوَّلِهِمْ.
يَتَنَافَسُونَ فِي دُنْيَادَنِيَّة، وَيَتَكَالَبُونَ (يتكالمون) عَلَى جِيفَة مُرِيحَة. وَعَنْ قَلِيل يَتَبَرَّأُ التَّابِعُ مِنَ الْمَتْبُوعِ، وَالْقَائِدُ مِنَ الْمَقُودِ، فَيَتَزَايَلُونَ بِالْبَغْضَاءِ، وَيَتَلاَعَنُونَ عِنْدَ اللِّقَاءِ (البقاء).
ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَ ذلِكَ طَالِعُ الْفِتْنَةِ الرَّجُوفِ (الزجّوف)، وَالْقَاصِمَةِ الزَّحُوفِ، فَتَزِيغُ قُلُوبٌ بَعْدَ اسْتِقَامَة، وَتَضِلُّ رِجَالٌ بَعْدَ سَلاَمَة; وَتَخْتَلِفُ الاَْهْوَاءُ عِنْدَ هُجُومِهَا، وَتَلْتَبِسُ الاْرَاءُ عِنْدَ نُجُومِهَا. مَنْ أَشْرَفَ لَهَا قَصَمَتْهُ، وَمَنْ سَعَى فِيهَا حَطَمَتْهُ. يَتَكَادَمُونَ فِيهَا تَكَادُمَ الْحُمُرِ فِي الْعَانَةِ! قَدِ اضْطَرَبَ مَعْقُودُ