(يومى فيها إلى الملاحم)
وَأَخَذُوا يَمِيناً وَشِمَالا ظَعْناً (طعناً) فِي مَسَالِكِ الْغَيِّ، وَتَرْكاً لِمَذَاهِبِ الرُّشْدِ. فَلاَ تَسْتَعْجِلُوا مَا هُوَ كَائِنٌ مُرْصَدٌ، وَلاَ تَسْتَبْطِئُوا مَا يَجِيءُ بِهِ الْغَدُ. فَكَمْ مِنْ مُسْتَعْجِل بِمَا إِنْ أَدْرَكَهُ وَدَّأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ. وَمَا أَقْرَبَ الْيَوْمَ مِنْ تَبَاشِيرِ غَد! يَا قَوْمِ، هذَا إِبَّانُ (إيّان) وُرُودِ كُلِّ مَوْعُود، وَدُنُوِّ مِنْ طَلْعَةِ مَا لاَ تَعْرِفُونَ.
أَلاَ وَإِنَّ مَنْ أَدْرَكَهَا مِنَّا يَسْرِي فِيهَا بِسِرَاج مُنِير، وَيَحْذُو فِيهَا عَلَى مِثَالِ الصَّالِحِينَ، لِيَحُلَّ فِيهَا رِبْقاً، وَيُعْتِقَ فِيهَا رِقّاً، وَيَصْدَعَ شَعْباً، وَيَشْعَبَ صَدْعاً. فِي سُتْرَة عَنِ النَّاسِ لاَ يُبْصِرُ الْقَائِفُ أَثَرَهُ وَلَوْ تَابَعَ نَظَرَهُ. ثُمَّ لَيُشْحَذَنَّ فِيهَا قَوْمٌ شَحْذَ الْقَيْنِ النَّصْلَ. تُجْلَى بِالتَّنْزِيلِ أَبْصَارُهُمْ، وَ يُرْمَى بِالتَّفْسِيرِ فِي مَسَامِعِهِمْ، وَيُغْبَقُونَ كَأْسَ الْحِكْمَةِ بَعْدَ الصَّبُوحِ!
منها : وَطَالَ الاَْمَدُ بِهِمْ لِيَسْتَكْمِلُوا الْخِزْيَ، وَيَسْتَوْجِبُوا الْغِيَرَ; حَتَّى إِذَا اخْلَوْلَقَ الاَْجَلُ، وَاسْتَرَاحَ قَوْمٌ إِلَى الْفِتَنِ، وَأَشَالُوا عَنْ لَقَاحِ حَرْبِهِمْ، لَمْ يَمُنُّوا عَلَى اللهِ بِالصَّبْرِ، وَلَمْ يَسْتَعْظِمُوا بَذْلَ أَنْفُسِهِمْ فِي الْحَقِّ; حَتَّى إِذَا وَافَقَ وَارِدُ الْقَضَاءِ انْقِطَاعَ مُدَّةِ الْبَلاَءِ، حَمَلُوا بَصَائِرَهُمْ عَلَى أَسْيَافِهِمْ، وَدَانُوا لِرَبِّهِمْ بِأَمْرِ وَاعِظِهِمْ. حَتَّى إِذَا قَبَضَ اللهُ رَسُولَهُ (صلى الله عليه وآله وسلم)، رَجَعَ قَوْمٌ عَلَى الاَْعْقَابِ، وَغَالَتْهُمُ السُّبُلُ، وَاتَّكَلُوا عَلَى الْوَلاَئِجِ، وَوَصَلُوا غَيْرَ الرَّحِمِ، وَهَجَرُوا السَّبَبَ الَّذِي أُمِرُوا بِمَوَدَّتِهِ، وَنَقَلُوا الْبِنَاءَ عَنْ رَصِّ أَسَاسِهِ، فَبَنَوْهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. مَعَادِنُ كُلِّ خَطِيئَة، وَأَبْوَابُ كُلِّ ضَارِب فِي غَمْرَة. قَدْ مَارُوا فِي الْحَيْرَةِ، وَذَهَلُوا فِي السَّكْرَةِ، عَلَى سُنَّة مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ: مِنْ مُنْقَطِع إِلَى الدُّنْيَا رَاكِن، أَوْ مُفَارِق لِلدِّينِ مُبَايِن.