(قبل شهادته)
أَيُّهَا النَّاسُ، كُلُّ امْرِئ لاَق مَا يَفِرُّ مِنْهُ فِي فِرَارِهِ. الاَْجَلُ مَسَاقُ النَّفْسِ وَالْهَرَبُ مِنْهُ مُوَافَاتُهُ.
كَمْ أَطْرَدْتُ الاَْيَّامَ أَبْحَثُهَا عَنْ مَكْنُونِ هذَا الاَْمْرِ، فَأَبَى اللهُ إِلاَّ إِخْفَاءَهُ. هَيْهَاتَ! عِلْمٌ مَخْزُونٌ!
أَمَّا وَصِيَّتِي: فَاللهَ لاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَمُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فَلاَ تُضَيِّعُوا سُنَّتَهُ. أَقِيمُوا هذَيْنِ الْعَمُودَيْنِ، وَأَوْقِدُوا هذَيْنِ الْمِصْبَاحَيْنِ، وَخَلاَكُمْ ذَمٌّ مَالَمْ تَشْرُدُوا. حُمِّلَ كُلُّ امْرِئ مِنْكُمْ مَجْهُودَهُ، وَخُفِّفَ عَنِ الْجَهَلَةِ. رَبٌّ رَحِيمٌ، وَدِينٌ قَوِيمٌ، وَإِمَامٌ عَلِيمٌ. أَنَا بِالاَْمْسِ صَاحِبُكُمْ، وَأَنَا الْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ، وَغَداً مُفَارِقُكُمْ! غَفَرَ اللهُ لِي وَلَكُمْ! إِنْ تَثْبُتِ الْوَطْأَةُ فِي هذِهِ الْمَزَلَّةِ (المنزلة) فَذَاكَ، وَإِنْ تَدْحَضِ الْقَدَمُ فَإِنَّا كُنَّافِي أَفْيَاءِ أَغْصَان، وَمَهَابِّ رِيَاح، وَتَحْتَ ظِلِّ غَمَام، اضْمَحَلَّ فِي الْجَوِّ مُتَلَفَّقُهَا، وَعَفَا فِي الاَْرْضِ مَخَطُّهَا. وَإِنَّمَا كُنْتُ جَاراً جَاوَرَكُمْ بَدَنِي أَيَّاماً، وَسَتُعْقَبُونَ مِنِّي جُثَّةً خَلاَءً: سَاكِنَةً بَعْدَ حَرَاك، وَصَامِتَةً بَعْدَ نُطْق. لِيَعِظْكُمْ هُدُوِّي، وَخُفُوتُ إِطْرَاقِي، وَسُكُونُ أَطْرَافِي، فَإِنَّهُ أَوْعَظُ لِلْمُعْتَبِرِينَ مِنَ الْمَنْطِقِ الْبَلِيغِ، وَالْقَوْلِ الْمَسْمُوعِ، وَدَاعِي لَكُمْ وَدَاعُ امْرِىء مُرْصِد لِلتَّلاَقِي! غَداً تَرَوْنَ أَيَّامِي، وَيُكْشَفُ لَكُمْ عَنْ سَرَائِرِي، وَتَعْرِفُونَنِي بَعْدَ خُلُوِّ مَكَانِي وَقِيَامِ غَيْرِي مَقَامِي (مكانى).