(في التحكيم)
إِنَّا لَمْ نُحَكِّمِ الرِّجَالَ، وَإِنَّمَا حَكَّمْنَا الْقُرْآنَ. هذَا الْقُرْآنُ إِنَّمَا هُوَ خَطٌّ مَسْتُورٌ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ، لاَ يَنْطِقُ بِلِسَان، وَلاَبُدَّ لَهُ مِنْ تَرْجُمَان. وَإِنَّمَا يَنْطِقُ عَنْهُ الرِّجَالُ. وَلَمَّا دَعَانَا الْقَوْمُ إِلَى أَنْ نُحَكِّمَ بَيْنَنَا الْقُرْآنَ لَمْ نَكُنِ الْفَرِيقَ الْمُتَوَلِّيَ عَنْ كِتَابِ اللهِ سُبْحانَهُ وَتَعَالى، وَقَدْ قَالَ اللهُ سُبْحانَهُ : (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ )[ 1 ] فَرَدُّهُ إِلَى اللهِ أَنْ نَحْكُمَ بِكِتَابِهِ، وَرَدُّهُ إِلَى الرَّسُولِ أَنْ نَأْخُذَ بِسُنَّتِهِ; فَإِذَا حُكِمَ بِالصَّدْقِ فِي كِتَابِ اللهِ، فَنَحْنُ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ، وَإِنْ حُكِمَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فَنَحْنُ أَحَقُّ النَّاسِ وَأَوْلاَهُمْ بِهَا. وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: لِمَ جَعَلْتَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ أَجَلا فِي التَّحْكِيمِ؟ فَإِنَّمَا فَعَلْتُ ذلِكَ لِيَتَبَيَّنَ الْجَاهِلُ، وَيَتَثَبَّتَ الْعَالِمُ; وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ فِي هذِهِ الْهُدْنَةِ أَمْرَ هذِهِ الاُْمَّةِ; وَلاَ تُؤْخَذُ بِأَكْظَامِهَا، فَتَعْجَلَ عَنْ تَبَيُّنِ الْحَقِّ، وَتَنْقَادَ لاَِوَّلِ الْغَيِّ.
إِنَّ أَفْضَلَ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْ كَانَ الْعَمَلُ بِالْحَقِّ أَحَبَّ إِلَيْهِ ـ وَإِنْ نَقَصَهُ وَكَرَثَهُ ـ مِنَ الْبَاطِلِ وَإِنْ جَرَّ إِلَيْهِ فَائِدَةً وَزَادَهُ. فَأَيْنَ يُتَاهُ بِكُمْ! وَمِنْ أَيْنَ أُتِيْتُمْ! اسْتَعِدُّوا لِلْمَسِيرِ إِلَى قَوْم حَيَارَى عَنِ الْحَقِّ لاَ يُبْصِرُونَهُ، وَمُوزَعِينَ بِالْجَوْرِ لاَ يَعْدِلُونَ بِهِ، جُفَاة عَنِ الْكِتَابِ، نُكُب عَنِ الطَّرِيقِ.
مَا أَنْتُمْ بِوَثِيقَة يُعْلَقُ بِهَا، وَلاَ زَوَافِرِ عِزٍّ يُعْتَصَمُ إِلَيْهَا. لَبِئْسَ حُشَّاشُ نَارِ الْحَرْبِ أَنْتُمْ! أُفٍّ لَكُمْ! لَقَدْ لَقِيتُ مِنْكُمْ بَرْحاً، يَوْماً أُنَادِيكُمْ وَيَوْماً أُنَاجِيكُمْ، فَلاَ أَحْرَارُ صِدْق عِنْدِ النِّدَاءِ (اللّقاء)، وَلاَ إِخْوَانُ ثِقَة عِنْدَ النَّجَاءِ!.