لاَ خَيْرَ فِي شَيْء مِنْ أَزْوَادِهَا إِلاَّ التَّقْوَى. مَنْ أَقَلَّ مِنْهَا اسْتَكْثَرَ مِمَّا يُؤْمِنُهُ ! وَمَنِ اسْتَكْثَرَ مِنْهَا اسْتَكْثَرَ مِمَّا يُوبِقُهُ، وَزَالَ عَمَّا قَلِيل عَنْهُ. كَمْ مِنْ وَاثِق بِهَا قَدْ فَجَعَتْهُ، وَذِي طُمَأْنِينَة إِلَيْهَا قَدْ صَرَعَتْهُ، وَذِي أُبَّهَة قَدْ جَعَلَتْهُ حَقِيراً، وَذِي نَخْوَة قَدْرَدَّتْهُ ذَلِيلا! سُلْطَانُهَا دُوَّلٌ، وَعَيْشُهَا رَنِقٌ، وَعَذْبُهَا أُجَاجٌ، وَحُلْوُهَا صَبِرٌ، وَغِذَاؤُهَا سِمَامٌ، وَأَسْبَابُهَا رِمَامٌ! حَيُّهَا بِعَرَضِ مَوْت، وَصَحِيحُهَا بَعَرَضِ سُقْم! مُلْكُهَا مَسْلُوبٌ، وَعَزِيزُهَا مَغْلُوبٌ، وَمَوْفُورُهَا مَنْكُوبٌ، وَجَارُهَا مَحْرُوبٌ (مجروب)!
أَلَسْتُمْ فِي مَسَاكِنِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَطْوَلَ أَعْمَاراً، وَأَبْقَى آثَاراً، وَأَبْعَدَ آمَالا، وَأَعَدَّ عَدِيداً، وَ أَكْثَفَ (اكثر) جُنُوداً! تَعَبَّدُوا لِلدُّنْيَا أَيَّ تَعَبُّد، وَآثَرُوهَا أَيَّ إِيثَار، ثُمَّ ظَعَنُوا عَنْهَا بِغَيْرِ زَاد مُبَلِّغ وَلاَ ظَهْر قَاطِع. فَهَلْ بَلَغَكُمْ أَنَّ الدُّنْيَا سَخَتْ لَهُمْ نَفْساً بِِفِدْيَة، أَوْ أَعَانَتْهُمْ بِمَعُونَة، أَوْ أَحْسَنَتْ لَهُمْ صُحْبَةً! بَلْ أَرْهَقَتْهُمْ بِالقَوَادِحِ، وَأَوْهَقَتْهُمْ (أوهنتهم) بِالْقَوَارِعِ، وَضَعْضَعَتْهُمْ بِالنَّوَائِبِ، وَ عَفَّرَتْهُمْ لِلْمَنَاخِرِ، وَوَطِئَتْهُمْ بِالْمَنَاسِمِ، وَأَعَانَتْ عَلَيْهِمْ «رَيْبَ الْمَنُونِ». فَقَدْ رَأَيْتُمْ تَنَكُّرَهَا (شكرها) لِمَنْ دَانَ لَهَا، وَآثَرَهَا وَأَخْلَدَ إِلَيْهَا، حِينَ ظَعَنُوا عَنْهَا لِفِرَاقِ الاَْبَدِ. وَهَلْ زَوَّدَتْهُمْ إِلاَّ السَّغَبَ، أَوْ أَحَلَّتْهُمْ إِلاَّ الضَّنْكَ، أَوْ نَوَّرَتْ لَهُمْ إِلاَّ الظُّلْمَةَ، أَوْ أَعْقَبَتْهُمْ إِلاَّ النَّدَامَةَ!
أَفَهذِهِ تُؤْثِرُونَ، أَمْ إِلَيْهَا تَطْمَئِنُّونَ، أَمْ عَلَيْهَا تَحْرِصُونَ؟ فَبِئْسَتِ الدَّارُ لِمَنْ لَمْ يَتَّهِمْهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا عَلَى وَجَل (حذر) مِنْهَا! فَاعْلَمُوا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِأَنَّكُمْ تَارِكُوهَا وَظَاعِنُونَ عَنْهَا، وَاتَّعِظُوا فِيهَا بِالَّذِينَ قَالُوا: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) :[ 1 ] حُمِلُوا إِلَى قُبُورِهِمْ فَلاَ يُدْعَوْنَ رُكْبَاناً. وَأُنْزِلُوا الاَْجْدَاثَ فَلاَ