يظهر من الذكر الحكيم أنّ بعض الأُمم السابقة كانوا يعملون بالقرعة، وقد جاء فيه موردان، غير أنّ تعرّضه لها من دون ردّ ونقد آية كونها أمراً حقّاً وعملاً صحيحاً فيجب اتّباعه وإن لم نقل باستصحاب أحكام الشرائع السابقة.[ 1 ] لأنّ الكتاب، كتاب الهداية والتربية، فذكره من دون اتّباعه بشيء من النقد والردّ، قرينة على كونها أمراً مرضياً به في مجال الهداية والتشريع والتربيةوإليك بيان الموردين:
1ـ المساهمة في تعيين كفيل مريم
لما ولدت امرأة عمران ـ أُمّ مريم العذراء ـ بنتها، حملتها إلى الكنيسة حتّى يتكفّل حضانتها العبّاد لموت والدها وهلاكه وهي في بطن أُمّها ، فعند ما رأوها تشاحّوا وقارعوا وكلّ طلب أن يتكفّل حضانتها وتربيتها لأنّها بنت عمران من البيت الرفيع في بني إسرائيل، فأيّ مفخرة أولى من التكفّل لولد من أولاد هذا البيت. فاتّفقوا على المساهمة فخرج السهم باسم خير الكفلاء لها أعني: زكريّا.
يقول سبحانه : (ذلِكَ مِنْ أنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إلَيْكَ وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْيُلقُونَ أقْلامَهُمْ أيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ يَخْتَصِمُونَ) . (آلعمران/43)
يقول أمين الإسلام: في هذه الآية دلالة على أنّ للقرعة مدخلاً في تمييز الحقوق.[ 2 ]
والمقام من قبيل تزاحم الحقوق، لأنّ الحضانة كانت حقّاً لأُمّها ابتداء
[1]وإنّما نحتاج إلى الاستصحاب فيما إذا ثبت في الشرائع السابقة ونقل عن غير طريق القرآن. [2]المحقّق الطبرسي: مجمع البيان: 1/441.