الثاني، بأنّه يباين كونه في مقام الإبراء غير تام، إذ لم يحرز كونه في مقام الإبراء مائة بالمائة، بشهادة أنّه يحتمل أن يترك بعض الأجزاء عمداً وإن كان لايترك أصل العمل قطعاً كما هو المشهود في كثير من المصلّين، حيث لايتركون الصلاة ولكن لايهتمّون بالشرائط اللازمة.
وثانياً: أنّ القاعدة ليست قاعدة تعبّدية محضة حتّى يؤخذ بإطلاقها، بل وردت في موضع فيه ارتكاز العقلاء على عدم الاعتناء في بعض صور الشكّ، فعند ذلك يصلح أن يكون الارتكاز قرينة حالية متّصلة لعدم الإطلاق، ومن المعلوم أنّها ليست حينئذ مرجع الشكّ لو كان المحتمل ترك الشيء عمداً، فليس هنا أصل عقلائي على عدم الالتفات، ولأجل ذلك يجب الرجوع إلى القواعد الأُخر من الاشتغال إذا شكّ في الأثناء أو بعد الفراغ، في ترك الجزء عمداً إذا كان في الوقت، وإلى البراءة من القضاء إذا كان خارجه، وقد تقدّم أنّ أصالة عدم الإتيان بالواجب في وقته، لايثبت عنوان الفوت الوجودي بل تكون بالنسبة إليه أصلاً مثبتاً. أو إلى استصحاب عدم المفطّر لو شكّ في استعمال مفطّر عمداً.
وباختصار أنّ احتمال الترك العمدي إمّا غير معقول عمّن هو بصدد أداء الوظيفة، وعلى فرض احتماله فالقاعدة عنه منصرفة والأذكريّة في مقابل النسيان لا في مقابل العمد وهذا آية الانصراف.
الأمر الثالث عشر:
في اختصاص القاعدة بالشكّ الحادث بعد العمل
إنّ مصبَّ القاعدة هو الشكّ الطارئ بعد مضيّ العمل أو نفسه. وأمّا لو كان الشكّ موجوداً قبل الغفلة لكنّه ذهل عنه، ثمّ التفت إلى الشكّ السابق، فلاتجزي فيه القاعدة وإليك بعض ما يترتّب عليه.