التنبيه الثاني: في خروج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء:
لا شك أنّه يشترط في صحّة النهي عن الشيء أو الأمر به كون المتعلّق مقدوراً عقلاً وهذا ممّا لا شك في شرطيّته.
إنّما الكلام في شرط آخر مخصوص بالنواهي، وهو كون المنهي عنه مورداً للابتلاء، وواقعاً في متناول يد المكلّف، وهذا ما اعتبره الشيخ الأنصاري فيها، فحكم بعدم صحّة النهي عن شيء خارج عن موضع الابتلاء كالنهي عن محرّم موجود في البلاد النائية. مستدلاّ ً باستهجان النهي عن شيء تكون الدواعي مصروفة عنه ولأنّ الغاية من النهي هو جعل الداعي إلى الانتهاء والمفروض أنّه حاصل بنفسه فطلب الانتهاء عندئذ أشبه بطلب الحاصل.
ولمّا كان مقتضى الدليل هو لغوية الأمر أيضاً بشيء تكون الدواعي إلى فعله موجودة في أذهان المكلّفين كالانفاق على الأولاد والآباء، نسب إلى المحقق الخراساني، في حواشيه على الرسائل بالالتزام بها [ 1 ].
ثمّ إنّ الشيخ الأنصاري رتّب على هذا الأصل، عدم تنجّز العلم الاجمالي فيما إذا كان بعض الأطراف خارجاً عن محلّ الابتلاء، لأنّ التكليف بالنسبة إلى الخارج منتف قطعاً ويكون التكليف بالنسبة إلى الطرف الآخر مشكوك الحدوث فلا مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة فيه.
وقد أُجيب عن دليل الشيخ بوجوه:
الأوّل: ما ذكره المحقق الاصفهاني في تعليقته، وحاصله أنّ حقيقة التكليف الصادر من المولى المتعلّق بالفعل الاختياري، لا يعقل أن يكون إلاّ جعل الداعي
[1]لم نجد ما نسب إليه في النسخة المطبوعة عام 1319هـ ولعلّه من سهو القلم.