قلت: إنّ فقد المكلّف به ليس من حدود التكليف وقيوده وليس التكليف مقيداً بعدم عروض فقد المكلّف به، وإراقة أحد الأطراف وإن كانت تلازم عدم بقاء العلم بالتكليف المنجّز لكن التكليف لمّا كان مطلقاً غير محدود به، كان الاشتغال آناً ما ملازماً عند العقل للخروج عنه يقيناً، وهذا بخلاف الاضطرار إلى تركه فإنّه من حدود التكليف به وقيوده، ولا يكون الاشتغال به من الأوّل إلاّ مقيّداً بعدم عروض الاضطرار. فلا يقين باشتغال الذمة بالتكليف به إلاّ إلى هذا الحدّ فلا يجب رعايته فيما بعده [ 1 ].
يلاحظ عليه: أنّه كيف يكون الاضطرار حدّاً للتكليف ولا يكون بقاء الموضوع شرطاً لفعلية التكليف، بل هو أولى بأن يكون حدّاً له بأي معنى فسّـر.
2ـ التفصيل بين الاضطرار إلى غير المعيّـن والمعيّـن:
ذهب المحقق الخراساني في تعليقته إلى التفصيل بين كون المضطرّ إليه، أحدهما لا بعينه، فلا يجب الاجتناب عن عدله، وكونه أحدهما المعين فيتنجز التكليف في غير المضطرّ إليه، فقال ما هذا نصه: «لا يخفى أنّ ذلك إنّما يتمّ فيما كان الاضطرار إلى أحدهما لا بعينه، وأمّا لو كان إلى أحدهما المعين فلا يكون بمانع عن تأثير العلم للتنجّز، لعدم منعه عن العلم بفعليّة التكليف المعلوم إجمالاً، المردّد بين أن يكون التكليف المحدود في ذلك الطرف، أو المطلق في الطرف الآخر، ضرورة عدم ما يوجب عدم فعلية مثل هذا المعلوم أصلاً، وعروض الاضطرار إنّما يمنع عن فعلية التكليف، لو كان التكليف في طرف معروضه بعد عروضه، لا عن فعلية المعلوم بالإجمال المردّد بين التكليف المحدود في طرف المعروض والمطلق في الآخر بعد العروض، وهذا بخلاف ما إذا عرض الاضطرار إلى أحدهما لا بعينه فإنّه يمنع عن فعليّة التكليف في البين مطلقاً فافهم وتأمّل».