والبحث عن حجّية الخبر الواحد من أهم المسائل الأُصولية التي يدور عليها مدار الاجتهاد والاستنباط في هذه الأعصار، وإنكار حجّيتها مساوق لفتح باب العمل بالظن المطلق الذي يستدل على حجّيته بالانسداد وغيره.
أمّا كونها مسألة أُصولية فلأنّ نتيجة البحث على فرض الثبوت، تقع كبرى الاستنباط للحكم الشرعي. فيقال: حرمة العصير العنبي قبل التثليث ممّا قام عليه خبر الواحد، وكلّما قام عليه الخبر، يجب العمل بمفاده، فينتج: أنّ هذا يجب العمل بمفاده (أي يجب الاجتناب عنه، المساوي للحرمة).
وقد أوضحنا ما هو الملاك في كون الشيء مسألة أُصولية ، عند البحث عن موضوع علم الأُصول في الجزء الأوّل.
ثمّ إنّ القدماء الأُصوليين جعلوا البحث في مقامات ثلاث:
1ـ هل يمكن أن يفيد خبر الواحد بمجرّده ـ لا بالنظر إلى جهات أُخرى ـ العلم؟ ذهب إليه النظّام وخالفه الباقون. وهو الحقّ إلاّ إذا كان محتفّاً بالقرائن أو كان المتكلم إنساناً معصوماً، أو كان السامع سريع القبول. إلى غير ذلك من الضمائم التي هي خارجة عن موضوع البحث.
2ـ هل يجوز التعبّد بالخبر الواحد عقلاً أو لا ؟ قال المرتضى في الذريعة: إنّ في المتكلمين من يذهب إلى أنّ خبر الواحد لا يجوز من جهة العقل ورود العبادة بالعمل به. ثم قال: والصحيح أنّ ذلك جائز عقلا [ 1 ].
وهذا البحث قد فرغنا عنه عند البحث عن إمكان التعبّد بالظن، وفنَّدنا دلائل المخالف فلا حاجة إلى التكرار.
3ـ هل ورد التعبّد به شرعاً؟ قال المرتضى: ذهب الفقهاء، وأكثر المتكلّمين إلى أنّ العبادة قد وردت بالعمل بخبر الواحد في الشريعة، وكان أبو علي الجبّائي