وأمّا الحكم بالإمكان بالمعنيين الأوّلين فيحتاج إلى الدليل، لأنّه حكم على الماهية بأنّها كذا وكذا، أو حكم على وجود الشيء بأنّه لا يترتب عليه محذور في عالم التكوين، ولا يصحّ الحكم إلاّ بالدليل بخلاف المعنى الثالث، فإنّه ليس إلاّ الاجتناب عن الحكم، وهو لا يحتاج إلى الدليل بل هو مستمرّ إلى أن يدلّ دليل على أحد الأمرين.
ما هو محل النزاع من معاني الإمكان:
لا شكّ أنّه ليس الإمكان بالمعنى الثالث، محلاّ ً للنزاع لما عرفت من أنّه ليس أزيد من عدم القضاء بشيء من الطرفين حتى يتبيّـن الحال ومثل ذلك لا يليق أن يقع مورداً للجدال.
كما أنّ الإمكان بالمعنى الأوّل أي عدم اقتضاء الذات لواحد من جانبي الوجود والعدم، ليس بأمر خفي حتّى يقع فيه النزاع بداهة قابلية الظن للأمر بالاتباع، وليس كاجتماع الضدين أو النقيضين الذين يقتضيان بالذات الامتناع بشهادة تسليم الخصم إمكانه عند انسداد باب العلم.
أضف إلى ذلك: أنّ البحث عن الإمكان الماهوي من شؤون الفلاسفة الباحثين عن ضرورة الوجود وإمكانه و امتناعه.
فتعيّـن كون النزاع في الإمكان الوقوعي الذي يحرز بالبرهان كسائر المسائل الفلسفية والعلميّة.
دليل القائل بإمكان التعبّد:
ثمّ إنّه ربّما يستدل على إمكان التعبّد بأنّا نقطع بأنّه لا يلزم من وقوعه محال ذاتي أو عرضي.