ويوضح ذلك أنّ الأحكام الوضعية، من ملكية و زوجية وغيرهما، حصيلة الإنشاء اللفظي أو الفعلي ولا تنتزع إلاّ من نفس الإنشاء، من دون ملاحظة كونها ناشئة عن إرادة. و مثلها القضاء، حيث لا يحصل إلاّبنفس الإنشاء من دون لزوم ملاحظة مبادئه. فما أفاده من أنّ ظهور الإرادة التشريعية، بنحو من الأنحاء، يعتبره العرف حكماً و طلباً له، غير تام.
وثانياً: سلّمنا أنّ الحكم عبارة عن الإرادة المظهرة بفعل أو قول، لكن إذا تعلّقت بالفعل على كلّ تقدير، و ظهرت بفعل أوقول، يعتبرها العرف حكماً فعلياً و أمّا إذا تعلّقت بالشيء على تقدير خاص و ظهرت بهذا النحو، لايعتبرها العرف غير فعلي، و المراد من الفعلي في المقام هو البعث والتحريك وبما أنّ المعلَّق عليه غير حاصل لا يكون هناك بعث وتحريك اللّهمّ إلاّ أن يكون للمحقّق العراقي اصطلاح خاص في فعلية الحكم و إنشائيته، و أنّ ما تمّ بيانه فهو فعلي، و إن لم يكن باعثاً فعلاً، وما لم يبيّن فهو إنشائي، كالأحكام المخزونة عند صاحب الأمر ـ عجّل الله تعالى فرجه الشريف ـ.
فإن قلت: هل الإرادة المظهرة، فعلية أو تقديرية؟ على الفرض الأوّل، كيف تكون المبادئ فعلية مع عدم كون الحكم فعلياً؟ وعلى الفرض الثاني، يلزم التعليق في الوجود التكويني، و التعليق في الوجود الحقيقي غير ممكن.
قلت: الإرادة فعلية، و ما تعلّقت به أيضاً فعلي، و هو إنشاء البعث إلى شيء بشرط خاص، و مع ذلك لا ينتزع منه الوجوب الفعلي، لأنّ البعث إنّما يكون فعلياً لو لم يكن معلّقاً على حصول شيء غير حاصل. و بعبارة أُخرى: لم تكن فيه حالة انتظارية لدفع المكلَّف إلى القيام بالمأمور به، و المفروض خلافه. و كون انشاء البعث فعليّاً، لا يلازم كون البعث فعليّاً كما هو ظاهر.