قاطع كما لا يخفى. و هذا معنى كون المتبادر من الأمر هو الوجوب.[ 1 ]
فإن قلت: لو صحّ هذا ، للزم وجوب الاحتياط في الشبهة البدوية الوجوبية، فانّ المقام لا يتجاوز عن كونه محتمل الوجوب، فلزوم حكم العقل بالاحتياط ينافي ما قرّر في محلّه من قبح العقاب بلا بيان، و القائل باللزوم يلزمه أن يحصر البراءة العقلية على المحتمل الصرف من دون وجود خطاب مردّد بين الأمرين.
قلت: إنّ احتمال الوجوب احتمالاً غير مستند إلى التنصيص بالطلب، و التصريح بالبعث إلى مطلوب، يقع مورداً للبراءة العقلية و النقلية بحكم أنّ العقاب على ما لم يبيـّن، قبيح، و أنّ ما لا تعلمه الأُمّة مرفوع عنها. و أمّا إذا كان هناك تنصيص و تصريح بالأمر والبعث، فلا يقع مورداً للبراءة، لوجود البيان و هو حكم العقل بلزوم إطاعة أمر المولى إلاّ إذا أحرز كونه للندب، و مثل ذلك لا يعدّ مصداقاً لقولهـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ: «مالا يعلمون» لإطباق حكم العقل على أنّ أمر المولى لا يترك بلا جواب.
و إن شئت قلت: وظيفة المولى هي إنشاء البعث وإصدار الأمر، و أمّا بيان أنّه للوجوب أو الندب فهو ليس من وظائفه. بل على العبد السعي، فإن تبيّن له أحدهما عمل على طبق ما تبيّن، و إلاّ عمل على مقتضي حكم العقل و هو أنّ أمر المولى لا يترك بلا جواب.
تتمّة
قال صاحب المعالم: يستفاد من تضاعيف أحاديثنا المروية عن الأئمّة ـ عليهم السَّلام ـ أنّ استعمال صيغة الأمر في الندب كان شائعاً في عرفهم بحيث صار من المجازات الراجحة المساوي احتمالها في اللفظ، لاحتمال الحقيقة عند انتفاء المرجِّح الخارجي،
[1] هذا ما اعتمد عليه السيّد المحقّق البروجردي في درسه الشريف، ووافقه صاحب المحاضرات، لاحظ ج2، ص 132.