نام کتاب : المبسوط في أُصول الفقه نویسنده : السبحاني، الشيخ جعفر جلد : 4 صفحه : 494
وجه تقديم الخاص على العام
إنّ تقدّم مورد المصطلحات الثلاثة الأُولى على الآخر واضح، لأنّ الدليل المقدّم إمّا مُعدِم لموضوع الدليل الآخر تكويناً أو تشريعاً أو مفسر له، ومع أحد الأمرين لا يبقى شكّ في التقدّم.
إنّما الكلام في تقدّم الخاص على العام، فقد ذكر في وجه التقدّم أمران:
أ. أنّ في تقديم الخاص على العام عملاً بكلا الدليلين، بخلاف العكس ففيه عمل بدليل واحد وهو العام وإلغاء الدليل الآخر من رأسه.
ب. أنّ النظام السائد على التقنين والتشريع هو فصل الخاص عن العام وذلك لمصالح أهمها عدم إحاطة المقننين العاديين بالمصالح والمفاسد، فربما يشرِّعون حكماً عامّاً بزعم وجود المصلحة فيه ثم يتبين لهم عدم المصلحة في بعض الموارد فيخرجونه عن حكم العام بصورة ملحق قانوني، وصار هذا هو السبب في تقدّم الخاص على العام في التشريعات البشرية.
وأمّا التشريع الإلهي فهو منزّه عن هذه الوصمة، فهو سبحانه عالم بالمصالح والمفاسد قال سبحانه:(ألاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطيفُ الْخَبير).[1] لكن وجه التقدّم فيه أمر آخر نشير إليه تالياً.
إنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) دعا الناس في مكة المكرمة إلى التوحيد ونبذ الشرك ما يربو على ثلاثة عشر عاماً ولم تسنح له الفرصة لبيان الأحكام والتشريعات الهائلة في شريعته، ولمّا هاجر إلى المدينة شغلته الحروب والغزوات