فالآية تقيّد الاستغفار لمن سبق بالإيمان، لالمن سبق بظاهر الإسلام،
وتنفي الغلّ عن الّذين آمنوا. أمّا قوله تعالى:
«ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا
لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ
أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ* وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ
إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ
عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ»[2]، فقد عُلّل النهي عن الاستغفار لمن يكون من أصحاب الجحيم عدوّاً
للَّهالعزيز.
و قد بيّنت سور القرآن العديدة المتقدّمة أنّ العديد ممّن صحب النبيّ
الصادقالأمين صلى الله عليه و آله و سلم ولقيه كان من فئات المنافقين، أو الّذين
في قلوبهم مرض، أو الماردين على النفاق، أو الّذين يلمزون المؤمنين، أو الّذين
يؤذون النبيّ، أو المعوِّقين عن القتال، أو المتخلّفين، أو غيرهم من النماذج
السيّئة، وتوعّدهم اللَّه تعالى بالعذاب واللعن، وأنّ الكافرين سواء في العاقبة.
فمع كون الاستغفار من المؤمنين محرّم لهذه الفئات التي صحبت النبيّ
صلى الله عليه و آله و سلم فكيف يتوهّم شمول الاستغفار والحبّ لكلّ مكّي ونحوه
أسلم في الظاهر وانتقل إلى المدينة ولكلّ مدنيّ أسلم في الظاهر؟! وقد عرفت أنّ
سورة المدّثّر- رابع سورةنزلت- وسورتَي العنكبوت والنحل المكّيّات، قد تتبّعت وجود
فئة محترفة للنفاق منذ أوائل البعثة،