نام کتاب : الفكر الخالد في بيان العقائد نویسنده : السبحاني، الشيخ جعفر جلد : 1 صفحه : 317
ولكن إذا أمعنّا النظر في الآيات الثلاث يتّضح لنا وبجلاء انّ المراد من الآية ليس هو الذنب الشرعي ـ أي ما اعتبره القرآن والسنّة ذنباً ـ بل المراد هو الاتهامات والنسب التي كان المشركون وخصوم الرسالة يصفونه بها، لأنّ النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ قد واجه المشركين والملحدين مواجة صارمة وحادّة حيث سفّه أحلامهم وذمّ آلهتهم وكشف عن انحرافهم مستعيناً بالبراهين والأدلّة الساطعة والمحكمة، فكانت ردّة فعلهم أن وصفوه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ بأنّه كاهن وساحر وكذّاب، فكان النبي في نظر هؤلاء مذنباً ولم ترتفع تلك التهم والافتراءات عنه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ إلاّ بعد فتح مكة وما شاهدوه من الخلق السامي له ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ في التعامل معهم، فإذاً المقصود من الذنب ما كان قريش تصفه به، كما أنّ المراد من المغفرة هو إذهاب وإزالة آثار تلك النسب من المجتمع.
ولقد أشار الإمام الرضا ـ عليه السَّلام ـ عندما سأله المأمون عن مفاد الآية فقال: «لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة أعظم ذنباً من رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، لأنّهم كانوا يعبدون من دون اللّه ثلاثمائة وستين صنماً، فلمّا جاءهم بالدعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم وعظم وقالوا:
(أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجبٌ* وَ انْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَ اصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيءٌ يُراد* ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هذا إِلاّ اخْتِلاقٌ).[1]
فلمّا فتح اللّه عزّ وجلّ على نبيّه محمّد ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ مكة قال له: يا محمد: (إِنّا فَتَحْنا لَكَ(مكة) فَتْحاً مُبِيناً *لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّر) عند مشركي أهل مكة بدعائك إلى توحيد اللّه عزّ وجلّ فيما تقدّم، وما تأخّر، لأنّ مشركي مكة،