مرّت على البشر قرون وأدوار، وهو يعرج في خلالها من حضيض الوحشية إلى مدارج المدنية ويخطو خطوات واسعة في سبيل ثقافته، يضحّي للحصول عليها بالنفوس والأموال.
وربّما يحسب أنّ غرضه الأكبر من هذا الجهد المستمر، هو تأمين الحياة وتمهيد طرقها، أو شعوره بأنّ العلوم كحصون منيعة، وقلاع مستحكمة، تقيه شرّ الحوادث ومحن الكوارث.
لكنّه حسبان باطل، إذ في تاريخ سير العلوم، وغضون المعاجم، وكتب التراجم، ما يكذب هذه المزعمة فإنّ طلب العلم ما برح مقروناً بالتعب والوصب، ولم يزل روّاده وحماته محرومين من لذائذ الحياة، مكتفين بما يمد عيشهم، مواصلين ليلهم بنهارهم، معتكفين في الزوايا، معرضين عن ملاذ الحياة، وما يتنافس فيه الناس، سائرين مع الرجرجة الدهما سيراً سجحاً مواجهين الشدائد والنوازل، إلى غير ذلك من ملمّـات وحوادث.