وأيضاً العلماء أجمعوا على أن فرض الصلاة كان ليلة الاسراء فكيف يكون قبل الوحي.
أقول : وقول جبرئيل في جواب بوّاب السماء ، اذ قال : أبَعَثَ ؟ قال : نعم ، صريح في أنه كان بعده[1] .
وقال ابن القيم في زاد المعاد: فصل قال الزهري : عرج برسول اللهـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ إلى بيت المقدس والى السماء قبل خروجه إلى المدينة بسنة .
وقال ابن عبد البر وغيره : كان بين الاسراء والهجرة سنة وشهران ، وكان الاسراء مرة واحدة وقيل مرّتين ، مرّة يقظة ومرّة مناماً ، وأرباب هذا القول كأنهم أرادوا أن يجمعوا بين حديث شريك وقوله : ثم استيقظت ، وبين سائر الروايات.
ومنهم من قال : بل كان هذا مرّتين ، مرّة قبل الوحي بقوله : في حديث شريك : « وذلك قبل أن يوحى اليه » ومرّة بعد الوحي ، كما دلّت عليه سائر الاحاديث.
ومنهم من قال : بل ثلاث مرّات ، مرّة قبل الوحي ، ومرّتين بعده .
وكلّ هذا خبط ، وهذه طريقة ضعفاء الظاهرية من أرباب النقل الذين اذا رؤا في قصة لفظ تخالف سياق بعض الروايات جعلوه مرّة أخرى ، فكلّما اختلف عليهم الروايات عدّدوا الوقائع .
والصواب الذي عليه أئمة النقل أن الاسراء كان مرّة واحدة بمكة بعد البعثة ، ويا عجباً لهؤلاء الذين زعموا أنه مراراً ، كيف ساغ لهم أن يظنّوا أنه في كلّ مرّة تفرض عليه الصلاة خمسين ، ثم يتردّد بين ربه وبين موسى ، حتى تسير خمساً ، ثم يقول : « امضيت فريضتي وخفّفت عن عبادي ، ثم يعيدها في المرّة الثانية إلى خمسين ، ثم يحطها عشراً عشراً ، وقد غلّط الحفاظ شريكاً في الفاظ من حديث الاسراء[2] .
[1] الكواكب الدراري 25 : 204 . [2] زاد المعاد 3 : 41 ـ 42 .