مقدماً، وهذا ليس أمراً منكراً بل أمر يكاد أن يكون متفقاً عليه. فكم من سورة مدنية كسورة البقرة وآل عمران جاءت في صدر القرآن وكم من سورة مكية جاءت في مؤخره، بل ربما ذكر الناسخ في سورة البقرة قبل المنسوخ، فالكاتب جعل التأليف معادلاً للتحريف.
إنّ القضاء الحاسم في حقّ زعيم كالشيخ المفيد إنّما يتم إذا رجع إلى عامة كلماته في الموضوع الذي يراد القضاء فيه، فانّ للشيخ كلاماً في المسائل السروية يدلّ على أنّ القرآن المنزل هو الموجود ما بين الدفّتين، وهذا نصّ كلامه في كتاب المسائل السروية:
فإن قال قائل: كيف يصحّ القول بأنّ الذي بين الدفّتين هو كلام اللّه تعالى على الحقيقة من غير زيادة فيه ولا نقصان وأنتم تروون عن الأئمّة ـ عليهم السَّلام ـ انّهم قرأوا «كنتم خير أئمّة أُخرجت للناس» و«كذلك جعلناكم أئمة وسطاً».
وقرأوا «يسألونك الأنفال» وهذا بخلاف ما في المصحف الذي في أيدي الناس.
قيل له: قد مضى الجواب عن هذا، وهو انّ الأخبار التي جاءت بذلك، أخبار آحاد لا يقطع على اللّه تعالى بصحتها، فلذلك وقفنا فيها ولم نعدل عمّا في المصحف الظاهر على ما أمرنا به حسب ما بيّناه مع أنّه لا ينكر أن تأتي القراءة (يأتي بالقرآن) على وجهين منزلين:
أحدهما : ما تضمّنه المصحف.
الثاني: ما جاء به الخبر، كما يعترف مخالفونا به من نزول القرآن على أوجه شتى.[1]