responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون    جلد : 1  صفحه : 507
المحلول انبسط فيه لعدم الصورة لأنه قد صار في الجسد بمنزلة النفس التي لا صورة لها وذلك أنه لا وزن له فيه وستري ذلك إن شاء الله تعالى وقد ينبغي لك أن تعلم أن اختلاط اللطيف باللطيف أهون من اختلاط الغليظ بالغليظ وإنما أريد بذلك التشاكل في الأرواح والأجساد لان الأشياء تتصل بأشكالها وذكرت لك ذلك لتعلم أن العمل أوفق وأيسر من الطبائع اللطائف الروحانية منها من الغليظة الجسمانية وقد يتصور في العقل أن الأحجار أقوى وأصبر على النار من الأرواح كما ترى الذهب والحديد والنحاس أصبر على النار من الكبريت والزئبق وغيرهما من الأرواح فأقول إن الأجساد قد كانت أرواحا في بدنها فلما أصابها حر الكيان قلبها أجسادا لزجة غليظة فلم تقدر النار على أكلها لافراط غلظها وتلزجها فإذا أفرطت النار عليها صيرتها أرواحا كما كانت أول خلقها وإن تلك الأرواح اللطيفة إذا أصابتها النار أبقت ولم تقدر على البقاء عليها فينبغي لك أن تعلم ما صير الأجساد في هذه الحالة وصير الأرواح في هذا الحال فهو أجل ما تعرفه. أقول إنما أبقت تلك الأرواح لاشتعالها ولطافتها وإنما اشتعلت لكثرة رطوبتها ولان النار إذا أحست بالرطوبة تعلقت بها لأنها هوائية تشاكل النار ولا تزال تغتذي بها إلى أن تفنى وكذلك الأجساد إذا أحست بوصول النار إليها لقلة تلزجها وغلظها وإنما صارت تلك الأجساد لا تشتعل لأنها مركبة من أرض وماء صابر على النار فلطيفه متحد بكثيفه لطول الطبخ اللين المازج للأشياء وذلك أن كل متلاش إنما يتلاشى بالنار لمفارقة لطيفه من كثيفه ودخول بعضه في بعض على غير التحليل والموافقة فصار ذلك الانضمام والتداخل مجاورة لا ممازجة فسهل بذلك افتراقهما كالماء والدهن وما أشبههما وإنما وصفت ذلك لتستدل به على تركيب الطبائع وتقابلها فإذا علمت ذلك علما شافيا فقد أخذت حظك منها وينبغي لك أن تعلم أن الاخلاط التي هي طبائع هذه الصناعة موافقة بعضها لبعض مفصلة من جوهر واحد يجمعها نظام واحد بتدبير واحد لا يدخل عليه غريب من الجزء منه ولا في الكل كما قال الفيلسوف إنك إذا أحكمت تدبير الطبائع وتآليفها ولم تدخل عليها غريبا فقد أحكمت ما أردت إحكامه وقوامه إذ الطبيعة واحدة لا غريب فيها فمن أدخل عليها غريبا
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون    جلد : 1  صفحه : 507
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست