وَ لَسْنَا نَقُولُ الدَّهْرَ ذَاكَ إِلَيْهِمَا
وَ فِي ذَاكَ لَوْ قُلْنَاهُ قَاصِمَةُ الظَّهْرِ
وَ لَكِنْ نَقُولُ الْأَمْرُ وَ النَّهْيُ كُلُّهُ[1]
إِلَيْهِ وَ فِي كَفَّيْهِ عَاقِبَةُ الْأَمْرِ
وَ مَا الْيَوْمُ إِلَّا مِثْلُ أَمْسِ وَ إِنَّنَا
لَفِي وَشَلِ الضَّحْضَاحِ أَوْ لُجَّةِ الْبَحْرِ[2].
فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ قَوْلَ الصَّلَتَانِ شَحَذَهُمْ ذَلِكَ عَلَى أَبِي مُوسَى وَ اسْتَبْطَأَهُ الْقَوْمُ وَ ظَنُّوا بِهِ الظُّنُونَ وَ أَطْبَقَ الرَّجُلَانِ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ لَا يَقُولَانِ شَيْئاً.
وَ كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ قَدِ اعْتَزَلَ عَلِيّاً وَ مُعَاوِيَةَ فَنَزَلَ عَلَى مَاءٍ لِبَنِي سُلَيْمٍ بِأَرْضِ الْبَادِيَةِ يَتَشَوَّفُ الْأَخْبَارَ وَ كَانَ رَجُلًا لَهُ بَأْسٌ وَ رَأْيٌ وَ مَكَانٌ فِي قُرَيْشٍ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي عَلِيٍّ وَ لَا مُعَاوِيَةَ هَوًى فَأَقْبَلَ رَاكِبٌ يُوضِعُ مِنْ بَعِيدٍ فَإِذَا هُوَ بِابْنِهِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ [فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: مَهْيَمْ؟][3] فَقَالَ: يَا أَبِي الْتَقَى النَّاسُ بِصِفِّينَ فَكَانَ بَيْنَهُمْ مَا قَدْ بَلَغَكَ حَتَّى تَفَانَوْا ثُمَّ حَكَّمُوا الْحَكَمَيْنِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ وَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَ قَدْ حَضَرَ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ عِنْدَهُمَا وَ أَنْتَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ مِنْ أَهْلِ الشُّورَى وَ مَنْ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: «اتَّقُوا دَعَوَاتِهِ» وَ لَمْ تَدْخُلْ فِي شَيْءٍ مِمَّا تَكْرَهُ هَذِهِ الْأُمَّةُ[4] فَاحْضُرْ دُومَةَ الْجَنْدَلِ فَإِنَّكَ صَاحِبُهَا غَداً فَقَالَ: مَهْلًا يَا عُمَرُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: «يَكُونُ مِنْ بَعْدِي فِتْنَةٌ خَيْرُ النَّاسِ فِيهَا الْخَفِيُّ التَّقِيُّ».
وَ هَذَا أَمْرٌ لَمْ أَشْهَدْ أَوَّلَهُ فَلَا أَشْهَدُ آخِرَهُ[5] وَ لَوْ كُنْتُ غَامِساً يَدِي فِي هَذَا الْأَمْرِ لَغَمَسْتُهَا مَعَ عَلِيٍّ قَدْ رَأَيْتُ الْقَوْمَ حَمَلُونِي عَلَى حَدِّ السَّيْفِ فَاخْتَرْتُهُ عَلَى النَّارِ فَأَقِمْ عِنْدَ أَبِيكَ لَيْلَتَكَ هَذِهِ فَرَاجَعَهُ حَتَّى طَمِعَ فِي الشَّيْخِ فَلَمَّا جَنَّهُ
[1] في الأصل:« الأمر بالحق كله» و أثبت ما في ح( 1: 197).
[2] الوشل: الماء القليل. و في الأصل:« رهق الضحضاح» صوابه في ح.
[3] مهيم: كلمة يمانية، معناه ما أمرك و ما شأنك.
[4] في الأصل:« مما تكن هذه الأمة» صوابه في ح.
[5] في الأصل:« و لن أشهد آخره» و الوجه ما أثبت من ح.