اشْتَرَيْتُ بِالْعَفْوِ صَلَاحَ الْأُمَّةِ وَ لَا أُكْثِرُ فَرَحاً بِشَيْءٍ جَاءَ وَ لَا ذَهَبَ[1] وَ إِنَّمَا أَدْخَلَنِي فِي هَذَا الْأَمْرِ الْقِيَامُ بِالْحَقِّ فِيمَا بَيْنَ الْبَاغِي وَ الْمَبْغِيِّ عَلَيْهِ وَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ فَدَعَوْتُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ فِيمَا بَيْنَنَا وَ بَيْنَكَ فَإِنَّهُ لَا يَجْمَعُنَا وَ إِيَّاكَ إِلَّا هُوَ نُحْيِي مَا أَحْيَا الْقُرْآنُ وَ نُمِيتُ مَا أَمَاتَ الْقُرْآنُ وَ السَّلَامُ.
وَ كَتَبَ عَلِيٌّ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَعِظُهُ وَ يُرْشِدُهُ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا مَشْغَلَةٌ عَنْ غَيْرِهَا وَ لَمْ يُصِبْ صَاحِبُهَا مِنْهَا شَيْئاً إِلَّا فَتَحَتْ لَهُ حِرْصاً يَزِيدُهُ فِيهَا رَغْبَةً وَ لَنْ يَسْتَغْنِيَ صَاحِبُهَا بِمَا نَالَ عَمَّا لَمْ يَبْلُغْهُ وَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ فِرَاقُ مَا جَمَعَ وَ السَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ فَلَا تُحْبِطْ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَجْرَكَ وَ لَا تُجَارِ مُعَاوِيَةَ فِي بَاطِلِهِ» فَأَجَابَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَا فِيهِ صَلَاحُنَا وَ أُلْفَتُنَا الْإِنَابَةُ إِلَى الْحَقِّ وَ قَدْ جَعَلْنَا الْقُرْآنَ حَكَماً بَيْنَنَا فَأَجَبْنَا إِلَيْهِ وَ صَبَّرَ الرَّجُلُ مِنَّا نَفْسَهُ عَلَى مَا حَكَمَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَ عَذَرَهُ النَّاسُ بَعْدَ الْمُحَاجَزَةِ وَ السَّلَامُ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الَّذِي أَعْجَبَكَ مِنَ الدُّنْيَا مِمَّا نَازَعَتْكَ إِلَيْهِ نَفْسُكَ وَ وَثِقْتَ بِهِ مِنْهَا لَمُنْقَلِبٌ عَنْكَ وَ مُفَارِقٌ لَكَ فَلَا تَطْمَئِنَّ إِلَى الدُّنْيَا فَإِنَّهَا غَرَّارَةٌ وَ لَوِ اعْتَبَرْتَ بِمَا مَضَى لَحَفِظْتَ مَا بَقِيَ وَ انْتَفَعْتَ بِمَا وُعِظْتَ بِهِ وَ السَّلَامُ».
فَأَجَابَهُ عَمْرٌو: أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ أَنْصَفَ مَنْ جَعَلَ الْقُرْآنَ إِمَاماً وَ دَعَا النَّاسَ إِلَى أَحْكَامِهِ فَاصْبِرْ أَبَا حَسَنٍ وَ أَنَا غَيْرُ مُنِيلِكَ[2] إِلَّا مَا أَنَالَكَ الْقُرْآنُ.
وَ جَاءَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ إِلَى عَلِيِّ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا أَرَى النَّاسَ إِلَّا وَ قَدْ رَضُوا وَ سَرَّهُمْ أَنْ يُجِيبُوا الْقَوْمَ إِلَى مَا دَعَوْهُمْ إِلَيْهِ مِنْ حُكْمِ
[1] كذا ورد في الأصل و ح على الاكتفاء، أي و لا بشيء ذهب.
[2] ح( 1: 189):« فإنا غير منيليك».